الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } * { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } * { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }

قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلّكُمْ عَلَى رَجُلٍ } لما بين حالة المكذب بالساعة ورد عليه بقوله: { قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } ثم بين ما يكون بعد إتيانها من جزاء المؤمن على عمله الصالح وجزاء الساعي في تكذيب الآيات بالتعذيب على السيئات وبين حال الكافر والمؤمن بعد قوله عليه (الصلاة و) السلام - { بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } فقال المؤمن الذي أنزل إليك من ربك الحق وهو يهدي وقال الكافر المنكر للبعث متعجباً: { هَلْ نَدُلّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } يخبركم يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم - وهذا كقول القائل في الاستبعاد: جاء رجل يقول: إنَّ الشمسَ تَطْلُعُ من المَغْرِب؛ إلى غير ذلك من المحاولات.

فصل

إذَا مُزِّقْتُم " إذا " منصوب بمقدر أي تُبْعَثُون وتُحْشَرُون وَقْتَ تمزيقكم لدلالة: { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } عليه ولا يجوز أن يكون العامل " يُنَبِّئُكُمْ " لأن التنْبِئَة " لأن التنْبِئَة لم تقع ذلك الوقت ولا " خَلْقٍ جَدِيدٍ " لأن ما بعد " إنَّ " لا يعمل فيما قبلها. ومن توسع في الظرف أجازه هذا إذا جعلنا " إذَا " ظَرفاً محضاً، فإن جعلناه شرطاً كان جوابها مقدراً أي تبعثون وهو العامل في " إذا " عند جمهور النحاة. وجوَّز الزجاج أن تكون معمولة لمُزِّقتُمْ، وجعله ابن عطية خطأ وإفساداً للمعنى، قال أبو حيان: وليس بخطأٍ ولا إفساد.

وقد اختلف في العامل في " إذا " الشرطية، والصحيح أن العامل فيها فعلُ الشرط كأخواتها من أسماء الشرط. وقال شهاب الدين: والجمهور على خلافِهِ، ثم قال أبو حيان: والجملة الشرطية تحتمل أن تكون معمولة لِـ " يُنَبِّئُكُمْ " لأن في معنى: يقول لكم إذا مزقتم تُبْعَثُونَ، ثم أكد ذلك بقوله: { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } ويحتمل أن يكون: { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ } معلقاً لِـ " يُنَبِّئُكُمْ " سادًّا مسد المفعولين ولولا اللام لفتحت " أن " وعلى هذا فجملة الشرط اعتراض، وقد مَنَعَ قوم التعليقَ في " اعلم " وبابها والصحيح جوازه، قال:
4108- حَذَارِ فَقَدْ نُبِّئْتَ إنَّكَ لَلَّذِي   سَتُجْزَى بِمَا تَسْعَى فَتَسْعَد أو تَشْقَى
وقرأ زيْدُ بْنُ عليِّ بإبدال الهمزة ياء، وعنه يُنْبِئُكُمْ مِنْ " أَنْبَأَ " كأَكْرَمَ و " مُمَزَّق " فيه وجهان:

أحدهما: أنه اسم " مصدر " وهو قياس كلّ ما زاد على الثلاث أن يجىء مصدره وزمانه ومكانه على زنة اسم مفعوله أي كُلَّ تَمْزِيقِ.

والثاني: أنه ظرف مكان، قاله الزمخشري، أي كل تمزيق من القبور وبطون الوحش والطير، ومن مجئ مُفَعَّل مجيء التَّفْعِيلِ قوله:
4109- ألَمْ تَعْلَمِي مُسَرَّحِي القَوافي   فَلاَ عيَّا بِهِنَّ وَلاَ اجْتِلاَبَا
أي تسريحي، والتمزيق التخريق والتقطيع، يقال ثَوبٌ مُمَزَّقٌ ومَمْزوقٌ ويقال: مزَّقَهُ فهو مَازِقٌ ومَزِقٌ أيضاً قال:

السابقالتالي
2 3