الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } * { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

قوله: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ } وقد تقدم أنه يقرأ بالنون والياء في الأنعام.

قوله: { أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } إياكم منصوب بخبر " كان " قدم لأجل الفواصل والاهتمام. واستدل بل على جواز تقديم خبر " كان " عليها إذا كان خبرها جملة فإن فيه خلافاً جوزه ابنُ السراج، ومنعه غيره. وكذلك اختلفوا في توسطه إذا كان جملة. قال ابن السِّرِّاج: القياس جوازه لكن لم يسمع.

قال شهاب الدين: قد تقدم في قوله:مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } [الأعراف:137] ونحوه أنه يجوز أن يكون من تقديم الخبر وأن لا يكون. ووجه الدلالة هنا أن تقديم المعمول مُؤْذِنٌ بتقديم العامل. وتقدم تحقيق هذا في " هُودٍ " في قوله تعالى:أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } [هود:8] (و) وضع هذه القاعدة.

فصل

لما بين أن حال النبي - عليه الصلاة والسلام - كحال من تقدمه من الأنبياء وحال قومه حال من تقدّم من الكفار وبين بطلان استدلالهم بكثرة أموالهم وأولادهم بين ما يكون عاقبة حالهم فقال: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } يعني المكذبين بك { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلآئِكَةِ } الذين يدعون أنهم يعبدونهم فإن غاية ما ترتقي إليه منزلتهم أنهم يقولون: نحن نعبد الملائكة والكواكب قال قتادة: هذا استفهام تقرير كقوله تعالى لعيسىءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ } [المائدة:116] فيقول: { أَهَـٰؤُلاَءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } فتبرأ منهم الملائكة فيقولون: " سُبْحَانَكَ " تنزيهاً لك { أنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ } أي نحن نتولاك ولا نتولاهم يعني كونك ولي بالعبودية أولى وأحب إلينا من كونهم أولياءنا بالعبادة لنا فقالوا: { بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ } أي الشياطين فهم في الحقيقة كانوا يعبدون الجن ونحن (كنا) كالقِبْلة لهم.

فإن قيل: فهم كانوا يعبدون الملائكة فما وجه قولهم يعبدون الجن؟ قيل: أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فهم كانوا يُطيعون الشياطين في عبادة الملائكة فقوله: " يعبدون " أي يطيعون الجن والعبادة هي الطاعة { أكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } أي مصدِّقون الشياطين.

فإن قيل: جميعهم كانوا متابعين للشياطين فما وجه قوله: { أكْثَرُهُمْ بِهِمْ } فإنه يدل على أنَّ بَعْضَهم لم يؤمن بهم ولم يُطِعْهُمْ؟

فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن الملائكة أحتزوا عن (دَعْوى) الإحاطة بهم فقالوا: أكثرهم لأنَّ الَّذِين رأوهم واطلعوا على أحوالهم كانوا يعبدون الجنَّ ويؤمنون بهم ولعلَ في الوجود من لم يُطْلع الله الملائكة عليه من الكفار.

الثاني: هو أن العبادة علم ظاهر والإيمان عمل باطن فقالوا بل يعبدون الجن لاطِّلاعهم على أعمالهم وقالوا أكثرهم بهم مؤمنون عند عمل القلب لئلا يكونوا مدعين اطّلاعهم على ما في القلوب فإن القلب لا يطلع على من فيه إلا الله كما قال:إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

السابقالتالي
2 3