الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } لما بين التوحيد والرسالة والحشر وكانوا بالكُلّ كافرين بين كفرهم العام بقوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } وذلك لأن القرآن مشتملٌ على الكل وقوله: { وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } يعني التوراة والإنْجِيلَ وعلى هذا فالمراد " بالذين كفروا " هُم المشركون المنكرون للثواب والحشر. ويحتمل أن يكون المراد بالذين كفروا العموم ويكون المراد بقوله: { ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } أن لا نؤمن بالقرآن أنه من الله { ولاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } أي ولا بما فيه من الإخبارات والآيات والدلائل وذلك لأن أهل الكتاب لم يؤمنوا بالقرآن أنَّه من الله ولا بالذي فيه من الرِّسالة وتفاصيلِ الحشر.

فإن قيل: أليس هم مؤمنين بالوحدانية والحشر؟

فالجواب: إذا لم يصدق واحد بما في كتاب من الأمور المختصة به يقال فيه إنه لم يؤمن بشيء منه وإن آمن ببعض ما فيه لكونه في غيره إيمانه لا بما فيه كمن يكذب رجلاً فيما يقوله فإذا أخبره بأن النار حارة لا يكذبه فيه ولكن لا يقال بأنه صدقة لأنه إنما صدق نفسه فإنه كان عالماً به من قبل وعلى هذا فقوله: " بَيْنَ يَدَيْهِ " الذي هو مشتمل عليه من حيث إنه وارد فيه.

قوله: { وَلَوْ تَرَى } مفعول " ترى " وجواب " لو " محذوفان للفهم أي ولو ترى حالَ الظالمينَ وقْتَ وقُوفهم مراجعاً بعضهُم إلى بعض القولَ لرأيت حالاً فظيعةً وأمراً منكراً. " ويَرْجَعُ " حال من ضمير " مَوْقُوفُونَ " و " القول " منصوب بـ " يرجع "؛ لأنه يتعدى قال تعالى:فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ } [التوبة:83] وقوله: { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } إلى آخره تفسير لقوله: " يَرْجِعُ " فلا محلَّ له. و " أنْتُم " بعد " لولا " متبدأ على أصحَّ المذاهب، وهذا هو الأفصح أعني وقوع ضمائر الرفع بعد " لولا " خلافاً للمبرد؛ حيث جعل خلاف هذا لحناً، وأنه لم يرد إلاَّ في قول زِيَادٍ:
4139- وكم موطن لولاي...   ............................
وقد تقدم تحقيقه، والأخفش جعل إنه ضمير نصب أو جر قام مقام ضمير الرفع. وسيبويه ضمير جر.

فصل

لما وقع اليأس من إيمانهم في هذه الدار بقولهم: " لَنْ نُؤْمِنَ " فإنه لتأبيد النفي وعد النَّبِيَّ عليه (الصلاة و) السلام - بأنه يراهم على أذل حال موقوفين للسؤال يرجع بعضهم إلى بعض القول أي يرد بعضهم إلى بعض القول في الجدال كما يكون عليه حالة جماعة أخطأوا في أمر يقول بعضهم لبعض. { يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } اسْتُحْقِرُوا وهم الاتباع " لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا " وهم القادة والأشراف { لَوْلاَ أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } أي أنتم مَنَعْتُمُونَا عن الإيمان بالله وسوله وهذا إشارة إلى أن كفرهم كان لمانع لأن بعد المقتضي لا يمكنهم أن يقولوا: مَا جَاءَنا رسول ولا أن يقولوا: قصر الرسول لأن الرسول لو أهمل شيئاً لما كانوا يقولون لولا المستكبرون.

السابقالتالي
2 3