الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } * { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ }

قوله تعالى: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } اعلم أن السور المفتتحة بالحمد خمسٌ، سورتان منها في النصف الأول وهما الأنعام والكهف وسورتان في النصف الأخير وهما هذه وسورة الملائكة، والخامسة وهي سورة فاتحة الكتاب تقرأ مع النصف الأول ومع النصف الأخير. والحكمة فيها أن نعم الله مع كثرتها وعدم قدرتنا على إحصائها منحصرة في قسمين نعمةِ الإيجاد ونعمة الإبقاء فإن الله خلقنا أولاً برحمته وخلق لنا ما نقوم به وهذه النعمة توجد مرة أخرى بالإعادة فإنه خلقنا مرةً أخرى ويخلق لنا ما ندوم به فلنا حالتان الإبداء والإعادة وفي كل حالة له تعالى علينا نعمتان نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء فقال في النصف الأول: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلِّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } إشارة إلى الشكر على نعمة الإيجاد، ويدل عليه قوله تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ } فأشار إلى الإيجاد الأول وقال في السورة الثانية: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱل‍َّذِي أنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ ٱلكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قِيَماً لِيُنْذِرَ } فأشار إلى الشكر على نعمة الإبقاء فإن الشرائع بها البقاء ولولا شرع يُنْقاد له لا تّبع كُلُّ واحدٍ هواه ووقعت المنازعات وأدت إلى التقاتل والتّفاني وقال ههنا: { ٱلحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ } إشارة إلى نعمةِ الإيجاد الثاني بدليل قوله:وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ } [سبأ:1] وقال في الملائكة:ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [فاطر:1] إشارة إلى نعمة الإبقاء بدليل قوله تعالى: { جَاعِلِ ٱلمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } أي: يوم القيامة يرسلهم الله مسلمين على المسلمين كما قال تعالى:وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } [الأنبياء:103] وقال تعالى عنهم:سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر:73] وفاتحة الكتاب لما اشتملت على ذلك نعمتين أشار بقوله:ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الفاتحة:2] إلى النعمة العاجلة، وأشار بقوله:مَالِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 4] إلى النعمة الآجلة، فرتب الافتتاح والاختتام عليهما.

فإن قيل: قد ذكرتم أن الحمد ههنا إشارة إلى النعم التي في الآخرة فلماذا ذكر الله السموات والأرض؟

فالجواب: أن نعم الآخرة غير مرئية فذكر الله النعم المرئية وهي ما في السموات وما في الأرض ثم قال: { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ } لتنقاس نعم الآخرة بنعم الدنيا ويعلم فضلها بدوامها.

قوله: " الَّذِي لَهُ " يجوز فيه أن يكون تابعاً وأن يكون مقطوعاً نصباً ورفعاً على المدح فيهما و " مَا فِي السَّمَاواتِ " يجوز أن يكون فاعلاً به وهو الأحسن وأن يكون متبدأ.

قوله: " فِي الآخِرَةِ " يجوز أن يتعلق بنفس الحَمْدِ، وأن يتعلق بما تعلق به خبره (وَهُو الحَكِيمُ) يجوز أن يكون معترضاً إذا أعربنا " يَعْلَمُ " حالاً مؤكدة من ضمير الباري تعالى، ويجوز أن يكون " يَعْلَمُ " مستأنفاً، وأن يكون حالاً من الضمير في " الخَبِيرِ ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6