الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } * { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

قوله: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } قرأ الكوفيون صَدَّقَ بتشديد الدال والباقون بتخفيفها، فأما الأولى " فظَنَّهُ " مفعول به والمعنى أن طنَّ إبليس ذهب إلى شيء فوافق فصدق هو ظنه على المجاز والاتساع ومثله: كَذَّبْتُ ظَنِّي ونَفْسي وصَدَّقْتُهُمَا وصدَّقَانِي وَكذَّبانِي وهو مجاز شائع سائغ أي ظن شيئاً فوقع وأصله من قوله:وَلأُضِلَّنَّهُمْ } [النساء:119] وقوله:فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص:82]وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف:17] فصدق ظنه وحققه بفعله ذلك بهم واتباعهم إياه. وأما الثانية: فانصب " ظنه " على ما تقدم من المفعول به كقولهم " أصَبْتُ ظَنِّي، وأَخْطَأت ظَنِّي " أو على المصدر بفعل مقدر أي " يَظُنُّ ظَنَّهُ " أَو على إسقاط (الخافض أي) في ظَنِّه، وزيد بن علي والزُّهْريُّ بنصب " إبليسَ " ورفع " ظَنُّهُ " كقول الشاعر:
4130- فَإنْ يَكُ ظَنِّي صَادِقاً فَهْوَ صَادق   ..........................
جعل " ظنه " صادقاً فيما ظنه مجازاً واتساعاً، وروي عن أبي عمرو برفعهما وهي واضحة جعل " ظنه " بدل اشتمال من إبليس والظاهر أن الضمير في " عليهم " عائد على أهْلِ سَبَأَ و " إلاَّ فَريقاً " استثناء من فاعل " اتَّبَعُوه " " ومِنَ المُؤْمِنِينَ " صفة " فَريقاً " و " مِنْ " للبَيَان لا للتبعيض لئلا يَفْسدَ المعنى؛ إذا يلزم أن يكون بعض من آمن اتبع إبْليسَ.

فصل

قال المفسرون: صدق عَلَيْهم أي على أهل سبأ. وقال مجاهد: على الناس كلهم إلا من أطاع الله فاتَّبعوه إلاَّ فريقاً من المؤمنين. قال السدي عن ابن عباس يعني المؤمنين كلهم لأن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين وقد قال تعالى:إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [الحجر:42] يعني المؤمنين وقيل: هو خاص في المؤمنين الذين يطيعون الله ولا يَعْصُونَه. وقال ابن قتيبة: إن إبليس سأل النظرة فأنْظَرَهُ الله قال: لأغويَنَّهُمْ وَلأضِلَّنَّهُمْ لم يكن مستيقناً وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قال ظناً فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم.

قوله: { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ } هذا استثناء مفرغ من العلل العامة تقديره: وما كان له عليهم (من سلطان) استيلاء لشيء من الأشياء إلا لهذا وهو تمييز المُحَقِّ من الشَّاكِّ.

قوله: " مِنْهَا " متعلق بمحذوف على معنى البيان أي أعني منها وبِسَبَبِها وقيل: " من " بمعنى " في " وقيل: هو حال من " شَكٍّ " وقوله: " مَنْ يُؤْمِنُ " يجوز في " من " وجهان:

أحدهما: أنها استفهامية فتسُدّ مسدَّ مفعولي العلم كذا ذكر أبو البقاء. وليس بظاهر؛ لأن المعنى إلا لنُمَيِّزَ ويظهر للناس من يؤمن ممن لا يؤمن فعثر عن مقابله بقوله { مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } لأنه من نتائجه ولوازمه.

السابقالتالي
2 3 4 5