الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } * { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } * { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } * { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

(قوله) تعالى: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ } قرأ حمزة وحفص مَسْكَنِهِمْ بفتح الكاف مفرداً، والكسائي كذلك إلا أنه كسر الكاف والباقون مَسَاكِنِهِمْ جمعاً فأما الإفراد فلعدم اللبس لأن المراد الجمع كقوله:
4125- كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا   ........................
والفتح هو القياس لأن الفعل متى ضمت عين مضارعة أو فتحت جاء المفعل منه زماناً أو مكاناً أو مصدراً بالفتح والكسر مسموع على غير قياس، وقال أبو الحسن: كسر الكاف لغة فاشيةٌ وهي لغة الناس اليوم والكسر لغة الحجاز وهي قليلة وقال الفراء: هي لغة يمانية فَصِيحةٌ.

و " مسكنهم " يحتمل أن يراد به المكان، وأن يراد به المصدر أي السُّكْنَى، ورجح بعضهم الثاني، قال: لأن المصدر يشمل الكل، فليس فيه وَضْعُ مفرد مَوْضعَ جمع بخلاف الأول فإن فيه وَضْعَ المفرد مَوْضِعَ الجمع، كما تقرر، لكن سيبويه يأباه إلاَّ ضَرُورةً كقوله:
4126-..............   قَدْ عَضَّ أَعْنَاقَهُمْ جلدُ الجَوَامِيس
أي جلود، وأما الجمع فهو الظاهر لأن كل واحد مسكن، ورسم في المصاحف دون ألف بعد الكاف فلذلك احتمل القراءاتِ المذكورة.

فصل

لما بين حال الشاكرين لِنِعَمِهِ بذكر داود وسليمان وبيَّن حال الكافرين بأنْعُمهِ، بحكاية أهل " سبأ " وقرىء سَبَأ بالفتح على أنه اسم بُقْعَة، وبالجر مع التنوين على أنه اسم قبيلة، وهو الأظهر لأن الله جعل الآية لسبأ والظاهر هو العاقل لا المكان فلا يحتاج إلى إضمار الأهل، وقوله " آية " أي من فضل ربهم دلالةً على وحدانيتنا وقدرتنا وكانت مساكنهم بمأرب من اليمن واسم سَبَأ عبد شمس بن يشجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان وسمي (سبأ) لأنه أول من سبأ من العرب.

قال السُّهَيْليّ: ويقال: إنه أول من تبرج، وذكر بعضهم أنه كان مسلماً وكان له شعر يشير فيه بوجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (يعني سليمان عليه الصلاة والسلام):
4127-سَيَمْلكُ بَعْدَنا ملكاً عَظِيماً   نَبِيُّ لاَ يرخِّصُ في الحَرَامِ
وَيملِكُ بَعْدُ منهم مُلُوك   يدينون العباد بغير دامِ
وَيملِكُ بعده منهم ملوك   يصيرُ الملك فينا باقتِسام
وَيملك بَعْدَ قَحْطَانَ نَبِيُّ   نفى جنته خير الأنام
يسمى أحمدَ يَا لَيْتَ أنّي   أُعَمَّر بعد مَبْعثَهِ بعَامِ
فأعضُدُه وأحبُوه بنَصْرِي   بكُلّ مُدَجَّج وبِكُلِّ رَامِي
مَتَى يَظْهَرْ فكُونوا ناصِرِيهِ   ومن يلقاه يُبْلِغْه سَلامِي
روى ابن عباس قال " سأل فروة بن مسيك الغطيفي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبأ ما هو؟ أكان رجلاً أو امرأة أو أرضاً؟ قال: بل هو رجل من العرب ولد عشرة من الولد فسكن اليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحِمير فقال رجل وما أنمار؟ قال: الذين منهم خثْعم وبجيلة، وأما الذين تشامُوا فلَخم وجُذام وعاملة وغسان، ولما هلكت أموالهم وخربت بلادهم تفرقوا في غور البلاد ونجدها أيدي سبا شَذَر مذر "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7