قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } فقوله: " مِنَّا " إشارة إلى بيان فضل داود لأن قوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } مستقبل بالمفهوم وتام كما يقول القائل: آتَى الملك زيداً خلعةً، فإذا قال القائل: آتاه منه خلعَةً يفيد أنه كان من خاصِّ ما يكون له فكذلك إيتاء الله الفضل عام لكن النبوة من عنده خاص بالبعض، ونطيره قوله تعالى:{ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ } [التوبة: 21] فإنَّ رحمةَ الله واسعةٌ تصلُ إلى كل أحد لكن رحمته في الآخرة على المؤمنين رحمة من عنده لخواصِّه، والمراد بالفضل النبوة والكتاب، وقيل: الملك، وقيل: جميع ما أوتِيَ من حُسْن الصوت وتَلْيِين الحديد وغير ذلك مما خُصَّ به. قوله: " يَا جِبَالُ " محكيّ بقول مضمر، ثم إن شئت قدرته مصدراً ويكون بدلاً من " فضلاً " على جهة تفسيره به كأنه قيل: آتيناهُ فضلاً قولَنَا يَا جبالُ، وإن شئت جعلته مستأنفاً. قوله: " أَوِّبي " العامة على فتح الهمزة، وتشديد الواو، أمراً من التَّأويب وهو التَّرجيع، وقيل: التسبيح بلغة الحَبَشَة، وقال القُتَيْبيُّ: أصله من التأويب في السير وهو أن يسير النهار كلّه، وينزل ليلاً كأنه قال: ادْأَبِي النَّهَار كُلَّهُ بالتسبيح معه، وقال وهب: نوحي معه، وقيل: سيري معه، وقيل: سيري معه، والتضعيف يُحتمل أن يكون للتكثير، واختار أبو حيان أن يكون للتعدي قال: لأنهم فَسَّروه برجع مع التسبيح، ولا دليل فيه لأنه دليل معنى. وقرأ ابنُ عباس والحَسَنُ وقتادةُ وابنُ أبي إسحاق: أُوبِي بضم الهمزة أمراً من آبَ يَؤُوبُ أي ارجع معه بالتسبيح. قوله: " والطير " العامة على نصبه وفيه أوجه: أحدهما: أنه عطف على محل جبال لأنه منصوب تقديراً. الثاني: أنه مفعول معه قاله الزجاج. ورد عليه بأنه قبله لفظ " معه " ولا يقتضي العامل أكثرَ من مفعول معه واحد إلا بالبدل أو العطف لا يقال: جَاءَ زَيْدٌ مَعَ بَكْرٍ مَعَ عَمْروٍ. قال شهاب الدين: وخلافهم في تَقَصِّيه حالين يقتضي مجيئه هنا. الثالث: أنه عطف على " فضلاً " ، قاله الكسائي، ولا بدّ من حذف مضاف تقديره آتيناه فضلاً وتَسْبِيح الطير. الرابع: أنه منصوب بإضمار فعل أي سَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ. قاله أبو عمرو، وقرأ السُّلَميُّ والأعرجُ ويعقوبُ وأبو نوفل وأبو يَحْيَى وعاصمٌ - في رواية - والطَّيْرُ بالرفع، وفيه أوجه: النسق على لفظ " الجبال " وأنشد:
4114- أَلاَ يَا زَيْدُ وَالضَّحَّاكُ سِيرَا
فَقَدْ جَاوزتُمَا خَمَرَ الطَّرِيق
بالوجهين، وفي عطفِ المعرف بأل على المنادى المضموم ثلاثة مذاهب، الثاني: عطفه على الضمير المستكن في " أَوِّبِي " وجاز ذلك، للفصل بالظرف، والثالث: الرفع على الابتداء والخبر مضمر أي والطيرُ كذلك أي مؤوبةٌ.