الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } * { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } * { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

قوله: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } وهو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإِسلام " وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ " بالتحرير والإِعتاق.

قوله: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ " نص بعض النحويين على أن " على " في مثل هذا التركيب اسم قال: لئلا يتعدى فعل المضمر المتصل إلى ضمير المتصل في غير باب " ظَنَّ " وفي لفظتي: فَقَدَ وعَدِمَ وجعل من ذلك:
4090 - هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنَّ الأُمُـ   ـورَ بِكَفِّ الإِلَهِ مَقَادِيرُهَا
وكذلك حكم على " عن " في قوله:
4091 - [فـ] دَعْ عَنْـكَ نَهبْـاً صِيـحَ فـي حجَـرَاتِـهِ   
وقد تقدم ذلك مُشْبَعاً في النَّحل في قوله:وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ } [النحل: 57]، وفي قوله:وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } [مريم: 25] (وقوله):وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } [القصص: 32].

قوله: " وَتُخْفِي " فيه أوجه:

أحدها: أنه معطوف على " تقول " أي وإِذْ تَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِكَ كَذَا وإِخْفَاءِ كَذَا وخَشْيَةِ الناس قاله الزمخشري.

الثاني: أنها واو الحال أي تقول كذا في هذه الحالة، قاله الزمخشري أيضاً، وفيه نظر حيث إنه مضارع مثبت فكيف تباشره الواو؟ وتخريجه كتخريج " قُمْتُ وَأَصُكُّ عَيْنَهُ " أعني على إضمار مبتدأ.

الثالث: أنه مستأنف قاله الحوفي، وقوله: { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } تقدم مثله في بَرَاءَةَ.

فصل

قال المفسرون إن الآية نزلت في زَيْنَبَ بنتِ جَحْش، وذلك " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما زوج " زينب " من " زَيْد " مكثَتْ عنده حيناً ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى زيداً ذات يوم لحاجة فأبصر زينب قائمة في دِرْع وخِمَار، وكانت بيضاء وجميلة ذات خُلُق من أتمِّ نساء قريش فوقعت في نفسه، وأعجبه حسنها فقال: سبحان الله مقلِّبَ القلوب وانصرف فلما جاء زيد ذكرت ذلك له، ففطن زيد فألقي في نفس زيد كراهتها في الوقت فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أريدُ أن أفارق صاحبتي قال: ما لك أَرَابَكَ منها شيء قال: لاَ واللَّهِ يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعظم عَلَيَّ لشرفها وتؤذيني بلسانها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوجَكَ يعني زينب بنت جحش واتَّقِ اللَّهِ في أمرها ثم طلَّقَها زيدٌ " فذلك قوله عز وجل: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالإعتاق وهو زيد بن حارثة { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } فيها ولا تفارقها { وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } أي تُسرُّ في نفسك ما الله مظهره أي كان في قلبه لو فارقها تزوجها. وقال ابن عباس: حبها، وقال قتادة: وَدَّ أنه لو طلقها " وَتَخْشَى النَّاسَ " قال ابنُ عباس والحسن: تستحييهم، وقيل: تخاف لائمةَ الناس أن يقولوا أمرَ رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها، " واللَّهُ أَحَقُّ أَن يَخْشَاهُ ".

السابقالتالي
2 3 4 5