الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { يۤا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } اعلم أن الفرق ين نداء المنادى بقوله: " يَا رَجُلُ " ويا أيُّهَا الرَّجُل، أن قوله: " يَا رَجُل " يدل على النداء، وقوله: " يا أيها الرجل " يدل على ذلك ويُنْبِىءُ عن خطر المنادى له أو غفلة المنادى فقوله: " يأيها " لا يجوز حمله على غفلة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن قوله: " النبي " ينافي الغفلة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبيرٌ، فلا يكون غافلاً، فيجب حمله على خَطَر الخَطْب.

فإن قيل: الأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمورية إذْ لا يصلح أن (يكون) يقال للجالس: اجلس وللساكت اسْكُتْ والنبي - عليه الصلاة والسلام - كان متقياً فما الوجه في قوله " اتق الله "؟.

فالجواب: أنه أمر (بالمدينة) بالمداومة فإنه يصح أن يقال للجالس: اجلس ههنا إلى أن يأتيك ويقال للساكت قد أصبت فاسكت تسلم أي دُمْ على ما أنت عليه، وأيضاً من جهة العقل أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه بعضهم يخاف من عقابه وبعضهم يخاف من قطع ثوابه وثالث يخاف من احتجابه فالنبي - عليه (الصلاة و) السلام لم يؤمر بالتقوى بالأول ولا بالثاني، وأما الثالث: فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا فكيف والأمور البدنية شاغلة فالآدَميُّ في الدنيا تارة مع الله والأخرى مقبل على ما لا بد منه وإن كان معه الله وإلى هذا أشار بقوله:إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ } [الكهف: 110] يعني برفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فأُمِرَ بتقوى توجب استدامة الحضور، وقال المفسرون: نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور عمرو بن أبي (رأس المنافقين) بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قولهم الأمان على أن يكلموه فقام (معهم) عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، وطُعْمَةُ بن أُبَيْرِق فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ارفض ذكر آلهتنا اللاتَ والعُزَّى ومَنَاةَ وقل إن لها شفاعةً لمن عبدها وندعك وربَّك فشق على النبي - صلى الله عليه وسلم - قولهم فقال عمر: يا رسول اللَّهِ ائذنْ لي في قتلهم. فقال: إني قد أعطيتهم الأمان. فقال عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر أن يُخْرِجَهُمْ من المدينة فأنزل الله: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } أي دُم على التقوى كما يقول الرجل لغيره وهو قائم: " قُمْ قائماً " أي اثبتْ قائماً، وقيل: الخطاب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد الأمة، وقال الضحاك معناه: اتق الله ولا تَنْقُضِ العهد الذي بينك وبينهم.

السابقالتالي
2 3 4 5