قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ... } الآية (أي) سخر لأجلكم ما في السماوات والقمرَ والنجومَ مسخراتٍ بأمره وفيها الفوائد لعباده وسخر ما في الأرض لأجل عباده. قوله: { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ } قرأ نافعٌ وأبُو عَمْروٍ وحفصٌ (نِعَمَهُ) جمعُ نِعْمَةٍ مضافاً لها الضمير " فظَاهِرةً " حال منها، والباقون " نِعْمَةً " بسكون العين، وتنوين تاء التأنيث، اسم جنس يراد به الجمع كقوله:{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم: 34] و [النحل: 18] فظاهرةً (نعت) لها، وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة " وأصْبَغَ " بأبدال السين صاداً وهي لغة كلْبٍ، يفعلون ذلك مع الغَيْنِ والخَاءِ والقَافِ، وتقدم نظير هذه الجمل كلها في البقرة. فصل قال عكرمة عن ابن عباس النعمة الظاهرة الإسلام، والقرآن، والباطنة ما ستر عليك من الذنوب، ولم يعجل عليك بالنقمة، وقال الضحاك: الظاهرة حُسْن الصورة وتسويةُ الأعضاء، والباطنة المعرفة، وقال مقاتل: الظاهرة تسوية الخِلْقَة، والرزق، والإسلام والباطنة: ما ستر عليك من الذنوب وقال الربيع الظاهرة الجوارح، والباطنة القلب، وقيل:الظاهرة تمام الرزق والباطنة حُسْنُ الخُلُق، وقال عطاء: الظاهرة تخفيف الشرائع، والباطنة الشفاعة، وقال مجاهد: الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء والباطنة الإمداد بالملائكة، وقيل: الظاهرة الإمداد بالملائكة والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفار، وقال سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الظاهرة: اتِّباع الرسول والباطنة محبته. قوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ (بِغَيْرِ عِلْمٍ } نزلت في النضر بن الحَرثِ، وَأُبيِّ بن خلف وأشباههم كانوا يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي صفاته { بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } أي بغير هُدًى أرسلناه إليه (وَحْياً ولا بكتاب يُتْلَى عليه وعظاً) { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا } بين أن مجادلتهم مع كونها من غير علم فهي في غاية القُبْح، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَدعوهُم إلى كلام الله وهم يأخذون بكلام آبائهم وبين كلام الله وكلام العلماء بَوْنٌ عظيمٌ فكيف ما بين كلام الله وكلام الجهال؟ ثم قال: { أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } ، جواب " لو " محذوف ومجازه: يدعوهم فيتبعونه أي يتبعون الشيطان وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير، والمعنى أن الله يدعوهم إلى الثواب، والشيطان يدعوهم إلى العذاب وهم مع هذا يتبعون (الشيطان) وقد تقدم الكلام على " أَوَ لَوْ " ونَحوهِ. قوله: { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ } قرأ عَليٌّ (والسُّلَمِيُّ) " يُسَلِّمْ " بالتشديد، لما بين حال المشرك والمجادل في الله بين حال المستسلم المسلم لأمر الله وقوله: " وَهُو مُحْسِنٌ " أي لله يعني يخلص دينه لله ويفوض أمره إليه وهو محسن في عمله { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه لأن أوثق العُرَى جانب الله، فإن كل ما عداه هالك منقطع وهو باقٍ لا انقطاع له { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ } يعني فقد استمسك بالعروة التي توصله إلى الله لأن عاقبةَ كُلِّ شيء إليه.