قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } لقمان قيل: أعجمي وهو الظاهر فمنعه للتعريف والعجمة الشخصية، وقيل: عربي مشتق من اللّقْم وهو حينئذ مُرَجَّل لأنه لم يبق له وضعٌ في النكرات ومنعه حينئذ للتعريف وزيادة الألف والنون، والعامل في " إذ " مضمر. قال ابن إسحاق لقمانُ هو نَاعور بن ناحُور بن تَارخ، وهو آزر، وقال وهب كان ابن أخت أيوب وقال مقاتل: ذكر أنه كان ابن خالة أيوب، وقال الواقدي: كان قاضياً في بني إسرائيل واتفق العلماء على أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً إلا عكرمة فإنه قال كان نبياً وانفرد بهذا القول وقال بعضهم خُيِّرَ لُقْمَانُ: بين النُّبُوَّةِ والحِكْمَةِ فاختار الحكمةَ, وروي أنه كان نائماً نصف النهار فنُودِيَ يا لقمانُ: هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض فتحكم بين الناس بالحقّ فأجاب الصوت وقال: إن خَيَّرَنِي ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء وإن عزم علي فسمعاً وطاعة فإني أعْلَمُ إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراهم لِمَ يا لقمانُ؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان أن يعن فبالحري أن ينجو وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً، ومن يختر الدنيا على الآخرة تُغْنه الدنيا ولا يصيب الآخرة فتعجبت الملائكة من حسن مَنْطِقِه فقام من نومه فأعطي الحكمة فانْتَبَهَ وهو يتكلم بها ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان فهوى في الخطيئة غير مرة، كُلّ ذلك بعفو الله عنه وكان لقمان تؤازره الحكمة، قال خالد الربعي: كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً، وقال سعيد بن المسيب: كان خياطاً، وقيل: كان راعِيَ غنم، فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال: ألستَ فلاناً الراعيَ فبم بَلَغْتَ ما بَلَغْتَ؟ قال: بصدق الحديث، وأداء الأمانة وترك ما لا يَعْنِينِي، وقال مجاهد: كان عبداً أسود عظيم الشَّفَتَيْنِ مُشَقَّقَ القَدَمَيْنِ، وقال الحسن: اعتزل لقمان الناس فنزل ما بين الرقّة (وبيت) المقدس لا يخالطهم، وقال أبو جعفر: كان لقمانُ الحبشيُّ عبداً لرجل فجاء به إلى السوق ليبيعه فكَانَ كلما جاء إنسانٌ يشتريه قال له لقمان: ما تصنع بي (فاعل فيقول: أصنع بك كذا وكذا فيقول: حاجتي إليك أن لا تَشْتِرِيَنِي حتى جاء رجل فقال له: ما تصنع بي) قال أُصَيِّرُك بواباً على بابي فقال: أنت اشتري فاشتراه وجاء به إلى جاره قال: وكان لمولاه ثلاثُ بناتٍ يَبْغِين في القرية، وأراد أن يخرج إلى ضيعةً له فقال له: إني أَدْخَلْتُ إليهن طعامَهُنَّ وما يَحْتَجْنَ إليه فإذا خرجت فأغلق الباب واقعد من ورائه ولا تفتحه حتى أحضر قال: ففعل فَخَرَجْنَ إليه كما كُن يَخْرُجُنْ فقلن (له): افتح الباب فأبى (عليهن) فَسَجَنَّه فَغَسَل الدم وجلس، فلما قدم مولاه لم يخبره (ثم عاد مولاه بعد ذلك فخرج إليه وقال: إني قد أدخلت غليهن ما يحتجن إليه فلا تفتح الباب فأغلق الباب فجئن إليه فقلن له: افتح الباب فأبى فَشَجَجْنَه ورجَعنَ فغسل الدم وجلس فلما جاء مولاه لم يخبره) قال: فقالت الكبرى: وما بال هذا العبد الحبشي أولى بطاعة الله - عز وجل - مني والله لأتوبَنَّ فتَابَتْ، (وقالت) الصغرى: ما بال هذا العبد الحبشيّ وهذه الكبرى أولى بطاعة الله - عز وجل - مني والله لأتوبَنَّ فَتَابَتْ فقالت الوسطى: ما بال هَاتَيْن وهذا العبد الحبشي أولى بطاعة الله مني والله لأتوبن فتابت فتُبْنَ إلى الله تعالى وكُنَّ عَوَابِدَ القرية فقال غُوَاةُ القرية ما بال هذا العبد الحبشيّ وبنات فلان أولى بطاعة الله - عز وجل - منّا فتابوا، وعن مكحول: أن لقمانَ كان عبداً حبشياً لرجل من بني إسرائيل وكان مولاه يلعب بِالنَّرْدِ ويخاطر عليه، وكان على بابه نهرٌ جارٍ فلعب يوماً بالنَّرْدِ على أن من قهر صاحبه شرب الماء الذي في البحر كله أو افتدى منه فقمر سيد لقمان فقال له القامر: اشرب ما في النهر كله وإلا فافتديه فقال سَلْنِي الفداء فقال: عينيك أَفْقَأهُما أو جميع ما تملك فقال: أمْهِلْنِي يوماً قال لك ذلك.