الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ }

قوله: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يحلف المشركون " مَا لَبِثُوا " في الدنيا " غَيْرَ سَاعَةٍ " أي إلا ساعة، لما ذكر الإعادة والإبداء ذكره بذكر أحوالها ووقتها.

قوله: " مَا لَبِثُوا " جواب قوله " يُقْسِمُ " وهو على المعنى؛ إذا لو حكى قولهم بعينه لقيل: ما لبثنا، والمعنى أنهم استقلوا أجل الدينا لما عاينوا الآخرة. وقال مقاتل والكلبي: ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال:كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } [النازعات: 46] وقوله:يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } [الأحقاف: 35].

قوله: " كَذَلِكَ " أي مثْلُ ذَلِكَ الإفك " كانَوا يُؤفَكُونَ " أي يصرفون عن الحق في الدنيا، وقال الكلبي ومقاتل كذبوا في (قبورهم) قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث، والمعنى أن الله تعالى أراد يَفْضَحَهُمْ فحلفوا على شيء (يتبين) لأهل الجمع أنهم كاذبون، ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم فقال: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي فيما كتب الله لكم في سابق علمه في اللَّبث في القبور. وقيل: في كتاب الله في حُكْم الله أي فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث فيكون " في كتاب الله " متعلقاً " بلَبِثْتُم " وقال مقاتل وقتادة: فيه تقديم وتأخير معناه وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يَوْم البَعْثِ.

و " في " تَرِدُ بمعنى الباء [و] العامة على سكون عين " البَعْثِ " والحسن بفتحها، وقرىء، بكسرها، فالمكسور اسم، والمفتوح مصدر.

قوله: { فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ } في الفاء قولان: اظهرهما: أنها عاطفة هذه الجملة على " لَقَدْ لَبِثْتُمْ ".

وقال الزمخشري هي جواب شرط مقدر كقوله:
4046 - فَقَـدْ جِئْنَـا خُـرَاسَـانَـا   
كأنه قيل: إن صحَّ ما قلتم إن " خراسان " أقصى ما يراد بكم وآن لنا أن نخلص وكذلك إن كنتم منكرين فهذا يوم البعث، ويشير إلى البيت المشهور.
4047 - قالوا خُرَاسان أقْصَـى ما يُرادُ بِنَا   قُلْنَا القُفُـول فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَـا
قوله: " لا تَعْلَمُونَ " أي البعث أي ما يراد بكم (أو) لا يقدر له مفعول أي لم يكونوا من أولي العلم وهو المَنْع.

فصل

اعلم أن الموعود بوعد إذا ضرب له أجل يستقل المدة ويريد تأخيرها، فالمجرم إذا حُشِرَ عَلِمَ أن مصيره (إلى النار يستقل مدة اللَّبْثِ ويختار تأخير الحشر والإبقاء في الإبقاء، والمؤمن إذا حُشِرَ عَلِمَ أن مصيره) إلى الجنة فيستكثر المدة ولا يريد تأخيرها فيختلف الفريقان ويقول أحدهما: إن مدة لَبْثنا قليلٌ وإليه الإشارة بقوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } ونحن صرنا إلى يوم البعث، وهذا يوم البعث { وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وقوعه في الدنيا يعني أن طلبكم (التأخير لأنكم كنتم لا تعلمون البعث ولا تعترفون به، فصار مصيركم إلى النار فتطلبون التأخير ولا ينفعكم العلم به الآن.

السابقالتالي
2 3