الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ }

قوله: " لِيَجْزِيَ " في مُتَعَلَّقِهِ أوجه:

أحدها: " يمهدون ".

والثاني: " يَصِّدَّعُونَ ".

والثالث: محذوف. (و) قال ابن عطية: تقديره: " ذلك لِيَجْزِيَ " وتكون الإشارة إلى (ما تقدر مِنْ) قوله: " من كفَر ومَنْ عَمِلَ ".

هَذا قوله وجعل أبو حيان قسيم قوله: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ } محذوفاً لدلالة قوله { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } عليه هذا إذا علقت اللام بـ " يَصَّدَّعُونَ " أو بذلك المحذوف، قال: تقديره " ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله والكافرين بعدله ".

فصل

قال ابن عباس: " ليجزي الذين آمنوا وعملوا ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم ".

قوله: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } لما ذكر ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر أنه سببب العمل الصالح لأن الكريم لا يذكر لإحسانه عوضَاً ويذكر لإضراره سبباً لئلا يتوهم (بِهِ) الظلم فقال: { يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } قيل: بالمطر كما قال تعالى:بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [النمل: 63]، أي قبل الفطرة، وقيل مبشرات بصلاح الأَهْوِية والأحوال؛ فإن الرياح لو لم تَهُبّ لظهر الوباء والفساد وقرأ العامة: " الرياح " جميعاً لأجل " مبشرات " ، والأعمش بالإفراد، وأراد الجنس لأجل " مبشرات ".

قوله: " وَلِيُذِيقَكُمْ " إما عطف على معنى مبشرات لأن الحال والصفة يُفْهمان العلة فكان التقدير: " ليبشّر وليذيقكم " وإما أن يتعلق بمحذوف أي وليذيقكم أَرْسَلَها، وإما أن يكون الواو مزيدة على رأي فتتعلق اللام بأن يرسل.

قوله: { وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ } (نعمته) بالمطر أو الخَصْب { وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ } لما أسند الفعل إلى الفلك عقبه بقوله " بأَمْرِهِ " أي الفعل ظاهر عليه ولكنه بأمر الله، والمعنى في ولتجري الفلك في البحر بهذه الرياح بأمره وكذلك لما قال: " وَلتَبْتَعوا " مسنداً إلى العباد ذكر بعده " مِنْ (فَضْلِهِ) ".

أي لا استقلال لغيره بشيء، والمعنى لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر " ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " هذه النعم.

فصل

قال تعالى: " ظهر الفساد - ليذيقهم بعض الذي عملوا " (وقال ههنا: { وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ } فخاطبهم ههنا تشريفاً، ولأن رحمته قريب من المحسنين والمحسنين قريب فيخاطب والمسمّى مُبْعَد فلم يُخَاطَبْ وقال هناك:بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ } [الروم: 41) فأضاف ما أصابهم إلى أنفسهم، وأضاف ما أصاب المؤمن إلى رحمته فقال: " من رحمته "؛ لأن الكريم لا يذكر لرحمته وإحسانه عوضاً فلا يقول أعطيتك لأنك فعلت كذا بل يقول هذا لك مني، وأما ما فعلت من الحسنة فجزاؤه بعد عندي، وأيضاً فلو قال: أرسلت بسبب فعلكم لا يكون بشارة عظيمة، وأما إذا قال من رحمته كان غاية البشارة وأيضاً فلو قال: بما فعلتم لكان ذلك موهماً لنُقْصَان ثوابهم في الآخرة، وأما في حق الكفار فإذا قال بما فعلتم إنما عن نُقْصَانِ عقابهم وهو كذلك وقال هناك: " لعلهم يَرْجِعُونَ " وقال ههنا: ولعلكم تشكرون، قالوا وإشارة إلى توفيقهم للشكر في النعم فعطف على النعم.

السابقالتالي
2