الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله: { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } في " أهون " قولان:

أحدهما: أنها للتفضيل على بابها وعلى هذا يقال: كيف يتصور التفضيل، والإعادة والبداءة بالنسبة إلى الله تعالى على حد سواء؟ في ذلك أجوبة: أحدها: أن ذلك بالنسبة إلى اعتقاد البشر باعتبار المشاهدة من أن إعادة الشيء أهون من اختراعه لاحتياج الابتداء إلى إعمال فكر غالباً، وإن كان هذا (مُنْتَفِياً) عن البارىء تعالى فخوطبوا بحسب ما أَلِفُوهُ.

الثاني: أن الضمير في " عليه " ليس عائداً على الله تعالى إنما يعود على الخلق أي والعود أَهْوَنُ عَلَى الخلق أي أسرع لأن البداء فيها تدريجٌ من طورٍ إلى طورٍ إلى أن صارت إنساناً والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات فكأنه قيل: وهو أَقْصَرُ عليه وأيسر وأقل انتقالاً والمعنى يقومون بصيحة واحد فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نُطَفاً ثم عَلَقاً ثم مُضَغاً إلى أن يَصِيرُوا رجالاً ونساءً - وهي رواية الكلبي عن أبي صالحٍ عن ابن عباس.

الثالث: أن الضمير في " عليه " يعود على (المخلوق بمعنى) والإعادة أَهْوَنُ على المخلوق أي إعادته شيئاً بعد ما أنشأه هذه في عرف المخلوقين، فكيف ينكرون ذلك في جانب الله تعالى، والثاني: أن " أَهْوَن " ليست للتفضيل بل هي صفة بمعنى " هَيِّن " كقولهم " اللَّهُ أكبر " أي الكبير وهي رواية العَوْفِيِّ عن ابن عباس.

وقد يجيء " أفعل " بمعنى الفاعل كقول الفرزدق:
4040 - إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا   بَيْتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
أي عزيزة طويلة. والظاهر عود الضمير في " عليه " على الباري تعالى ليوافق الضمير في قوله: (وله المثل الأعلى. قال الزمخشريُّ: " فإن قلت: لم أخرت الصلة في قوله { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } وقدمت في قوله):هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } [مريم: 9] قلتُ: هنالك قصد الاختصاص وهو (محزة) فقيل: هو على هين وإن كان مستصعباً عندك أن يولد بين هِمٍّ وعاقر فذلك عليّ هين لا على غيري، وأما هنا فلا معنى للاختصاص كيف والأمر مبيَّن على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. قال أبو حيان: ومبنى كلامه على أن التقديم يفيد الاختصاص وقد تقدم منعه. قال شهاب الدين: الصحيح أنه يفيده. وتقدم جميع ذلك.

قوله: { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } يجوز أن يكون مرتبطاً بما قبله وهو قوله: { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أي قد ضربه لكم مثلاً فيما يسهل ويصعب. وإليه نحا الزجاج. أو بما بعده من قوله:ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [الروم: 28] وقيل: المثل: الوصف أي الصفة العليا. قال ابن عباس: هي أنه { ليس كمثله شيء } وقال قتادة: هو أنه لا إله إلا هو.

قوله: " فِي السَّمَواتِ " يجوز أن يتعلق " بالأَعْلَى " أي أنه أعلى في هاتين الجهتين، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " الأعلى " أو من " المثل " أو من الضمير في " الأعلى " فإنه يعود على المثل، " وَهُوَ العَزِيزُ " في ملكه " الحَكِيمُ " في خلقه.