الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }

قوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ } قال ابن مسعود: قامتا على غير عُمُدٍ بأمره. واعلم أنه ذكر من لوزم السماء والأرض قيامهما فإن الأرض لثقلها يتعجب الإنسان من وقوفها وعدم نزولها وكون السماء في علوها معجب من علوها وثباتها من غير عمد، وهذا من اللوازم، فإن الأرض لا تخرج عن مكانه الذي فيه.

(فإن قيل:) بأنها تتحرك في مكانها كالرَّحَاء، ولكن اتفق العقلاء على أنها في مكانها (لا تخرج عنه. وهذا آية ظاهرة لأن كونهما في الموضع الذي هما فيه، وعلى الموضع الذي هما عليه) من الأمور الممكنة وكونهما في غير ذلك الموضع جائز فكان يمكن أن يَخْرُجَا منه، فلمّا لم يخرجا كان ذلك ترجيحاً للجائز على غيره وذلك لا يكون إلا بفاعل مختار، وقالت الفلاسفة: كون الأرض في الكائن الذي هي فيه طبيعي لها لأنها أثقل الأشياء، والثقيل يطلب المركز والخفيف يطلب المحيط وكون السماء في مكانها إن كانت ذات مكان فلذاتها، فقيامها فيه لطبعها وأُجيبُوا بأنكم وافقتمونا بأن ما جاز على أحد المثلين جاز على المثل الآخر لكن مقعَّر الفلك لا يخالف مُحْدَبه في الطبع فيجوز حصول مقعره في موضع محْدبه وذلك بالخروج والزوال فإذن تطرق الزوال إليه عن المكان ممكن لا سيما على السماء الدنيا فإنها ليست محدّده للجهات على مذهبكم أيضاً والأرض كانت يجوز عليها الحركة الدورية كما تقولون على السماء فعدمها وسكونها ليس إلا بفاعل مختار.

فصل

ذكر الله تعالى من كل باب أمرين: أما من الأنفس فقوله: " (خلقكم) وخلق لكم " واستدل بخلق الزوجين ومن الآفاق السماء والأرض (فقال: " خلق السماوات والأرض " ) ومن لوازم الإنسان اختلاف اللسان واختلاف الألوان ومن عوارض الآفاق البَرْقَ والأمطار ومن لوازمها قيام السماء والأرض؛ لأن الواحد يكفي للإقرار بالحق، والثاني يفيد الاستقرار ومن هذا اعتبر شهادة شاهدين، فإن قول أحدهما يفيد الظن، وقول الآخر يفيد تأكيده، ولهذا قال إبراهيم عليه (الصَّلاَة و) السلام:بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [البقرة: 60].

فصل

قوله: بأمره أي بقوله: " قوما " أو بإرادته قيامها؛ لأن الأمر عند المعتزلة موافقٌ للإرادة وعندنا ليس كذلك ولكن النزاع في أمر التكليف، لا في أمر التكوين فإنا لا ننازعهم في أن قوله: " كُنْ فَيَكُونَ " و " كُونِي " و " كونوا " موافق للإرادة.

فإن قيل: ما الفائدة في قوله " ههنا ": { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ } وقال قبله:وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ } [الروم: 24] (ولم يقل: أنْ يُرِيَكُم) ليصير (كالمصدر " بأن "؟).

فالجواب: أن القيام لما كان غير متغير أخرج الفعل بأن عن الفعل المستقبل ولم يذكر معه الحروف المصدرية.

السابقالتالي
2