الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ } مبتدأ أو خبر أي ومن جملة علامات توحيده وأنه يبعثكم خلقكم واختراعكم و " من " لابتداء الغاية، وقوله: " من تراب " أي خلق أصلنا وهو آدم من تراب، (أ) وأنه خلقنا من نطفة والنطفة من الغذاء والغذاء إنما يتولد من الماء والتراب على ما تقدم شرحه { ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } في الأرض. والترتيب والمهلة هنا ظاهران فإنهم يصيرون بشراً بعد أَطْوَارِ كثيرة و " تَنْتَشِرُونَ " حال.

و " إِذَا " هي الفُجَائِيَّة، إلا أنَّ الفجائية أكثر ما تقع بعد الفاء؛ لأنها تقتضي التعقيب ووجه وقوعها (مع) " ثم " بالنسبة إلى ما يليق بالحالة الخاصة أي بعد تلك الأطوار التي قَصَّها علينا في موضع آخر من كوننا نطفةً ثم علقةً ثم مُضْغَةً (ثُمَّ عظماً مجرداً) ثم عظماً مكسوّاً لحما (فَاجَأ) البشرية فالانتشار.

قوله: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } " مِنْ أَنْفُسِكُمْ " يعني من بني آدم، وقيل خلق " حَوَّى " من ضِلَع آدم " لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ". والصحيح أن المراد من جنسكم كما قال:لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [التوبة: 128] ويدل عليه قوله: { لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } يعني أن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر، أي لا يثبت نفسه معه، ولا يميل قلبه إليه { وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } (وقيل: مودة) بالمجامعة: (ورحمة) للولد تَمَسُّكاً بقَوْلِهِ:ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2]، وقيل: جعل بين الزوجين المودةَ (والرحمة) فهما يَتَوَادَّانِ، وَيَتَرَاحَمَانِ وما من شيء أحبَّ إلى أحد من الآخر من غير رحم بينهما. { إِنَّ فِي ذَلِكَ } يحتمل أن يكون المراد منه إن في خلق الأزواج " لآيات ". ويحتمل أن يقال: " إنَّ في جعل المودة والرحمة بينهم آيات لقوم يتفكرون " في عظمة الله وقدرته.

قوله: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ثم لما أشار إلى دلائل الأنفس والآفاق (ذكر) ما هو من صفات الأنفس وهو قوله: " واخْتِلاَفَ ألْسِنَتِكُمْ " أي لغاتكم من عرب وعجم مع تنوع كل من (الجنسين) إلى أنواع شتى لا سيّما العجم، فإن لغاتهم مختلفة، وليس المراد بالألسنة الجوارح، وقيل: المراد بالألسن اختلاف الأصوات، وأما اختلاف الألوان فالمراد أبيضُ وأسودُ وأحمرُ وأنتم ولدُ رجلٍ واحد، (وامرأةٍ واحدة). وقيل: المراد باختلاف الألوان الذي بين ألوان الإنسان فإن واحداً منهم مع كَثْرة عددهم، وصغر حجم قدودهم لا يشتبه بغيره، والسموات مع غيرها وقلة عددها مشتبهات في الصورة { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ } ، قرأ حفص بكسر اللام، جعله جمع عَالِمٍ ضد الجاهل ونحوه:وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 43] والباقون بفتحها لأنها آيات لجميع الناس وإن كان بعضهم يَغْفُلُ عنها وقد تقدم أول الفاتحة الكلام في " العَالَمِينَ " (قيل):هو جمع أو اسم جمع.

السابقالتالي
2 3 4