الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ }

قوله: { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء ولم يقل: " يُعِيدُهُمْ " رد على الخلق، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ؛ فيجزيهم بأعمالهم، قرأ أبو بكر، وأبو عمرو " يَرْجِعُونَ " - بالياء - والآخرون بالتاء.

قوله: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } قرأ العامة " يُبْلِسُ " ببنائه للفاعل وهو المعروف يقال: أَبْلَسَ الرجل أي انقطعت حجته فسكت وهو قاصر لا يتعدى، قال العجاج:
4036 - يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمـاً مُكْرَسَـا   قَـالَ: نَعَـمْ أَعْرِفُـهُ وَأَبْلَسَـا
وقرأ السُّلَمِيُّ: " يُبْلَسُ " مبنيّاً للمفعول، وفيه بعدٌ، لأن أبْلَسَ يتعدى، وقد خُرِّجَتْ هذه القراءة على أن القائم مقام الفاعل مصدر الفعل، ثم حذف (المضافُ، وأقيم) المضاف إليه مُقَامَهُ، إذ الأصل يُبْلَسُ إبْلاَس المجرمين، و " يبلس " هو الناصب " ليَوْمَ تَقُومُ " و " يَوْمَئِذٍ " مضاف لجملة تقديرها يَوْمَئِذٍ يقوم وهذا كأنه تأكيد لفظي، إذ يصير التقدير يبلس المجرمون (يوم تقوم الساعة).

فصل

قال قتادةُ والكَلْبِيُّ: المعنى يبلس المشركون من كل خير؛ وقال الفراء: ينقطع كلامهم وحججهم. وقال مجاهد: يفتضحون. ولم يكن لهم شركائهم أصنامهم التي عبدوها ليشفعوا لهم شفعاء، { وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ } يتبرأون منها وتتبرأُ منهم.

قوله: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } أي بين أهل الجنة من أهل النار، قال مقاتل: يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبداً كما قال تعالى:فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [الشورى: 7]. قوله: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ } وهي البستان الذي في غاية النضارة، وقوله: " يُحْبَرُونَ " قال ابن عباس يكرمون. وقال قتادة ومجاهد: يُنَعمون، وقال مجاهد وأبو عبيدة: يسرون، والحَبْر والحُبُور السرور. وقيل الحَبْرة في اللغة كل نعمة حسنة والتَّحْبير التَّحْسِينُ يقال هو حسن الحِبرَ والسِّبر بكسر الحاء والسين وفتحهما وفي الحديث: " حَبْرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً " أي حسنت لك صوتي والقرآن تحسيناً، وجاء في الحديث " يَخْرُجُ من النَّارِ رَجُلٌ ذَهَبَ حَبْرُهُ وسَبْرُهُ " فالمفتوح مصدر والمكسور اسم، والروضة الجنة، قيل: ولا تكون روضة إلا وفيها نبت، وقيل: إلا وفيها ماء، وقيل: ما كانت منخفضة، والمرتفعة يقال لها: تُرعة، وقيل: لا يقال لها روضة إلا وهي في مكان غليظ مرتفع. قال الأعشى:
4037 - ما رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَـزْنِ مُعْشِبَـةً   خَضْـرَاءَ جَـادَ عَلَيْهَـا مُسْبِـلٌ هَطِـلُ
وأصل رياضٍ رَواضٌ، فقلبت الواو ياء على حدِّ حَوْضٍ وحِيَاضٍ ونكر الروضة للتعظيم، وقال ههنا: " يُحْبَرُونَ " بصيغة الفعل ولم يقل " مَحْبُورُونَ " وقال في الأخرى " (مُحْضَرُونَ) " بصيغة الاسم ولم يقل " يُحْضَرُونَ " لأن الفعل يدل على التجديد، والاسم لا يدل عليه، فقوله " يحبرون " يعني كل ساعة يأتيهم ما يسرون به، وقوله " محضرون " أي الكفار في العذاب يبقون (فيه) مُحْضَرُونَ.