الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

قرأ أبو حاتم { جَامِعٌ ٱلنَّاسَ } بالتنوين والنصب - و " لِيَوْمٍ " اللام للعلة، أي: لجزاءِ يوم، وقيل: هي بمعنى " في " ، ولم يذكر المجموع لأجله، و " لا رَيْبَ " صفة لـ " يَوْم " ، أي: لا شك فيه، فالضمير في " فِيهِ " عائد عليه، وأبْعَد مَن جَعَلَه عائداً على الجمع المدلول عليه بـ " جَامِعُ " ، أو على الجزاء المدلول عليه بالمعنى، أو على العَرْض.

قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } يجوز أن يكون من تمام حكايةِ قولِ الراسخين، فيكون التفاتاً من خطابهم للباري تعالى بضمير الخطاب إلى الإتيَان بالاسم الظاهر؛ دلالةً على تعظيمه، ويجوز أن يكون مستأنفاً من كلام الله تعالى، فلا التفاتَ حينئذٍ.

و " الميعاد " مصدر، وياؤه منقلبة عن واو، لانكسار ما قبلها كميقات.

فإن قيل: لم قالوا - في هذه الآية -: إن اللهَ لا يخلف الميعادَ، وقالوا - في تلك الآية - إنك لا تخلف الميعاد؟

فالجوابُ: أن هذه الآيةَ في مقام الهيبةِ، يعني أن الآية تقتضي الحشر والنشر؛ ليُنْتَصَف للمظلومين من الظالمين، فكان ذكره باسمه الأعظم أوْلَى في هذا المقامِ، وفي تلك الآية مقام طلب العبدِ من ربه أن ينعم عليه بفضله، ويتجاوز عن سيئاته، فليسَ مقام الهيبةِ، فلا جرم قال:إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [آل عمران: 194].

فصل

اعلم أن الراسخين لما طلبوا من ربهم الصَّوْنَ عن الزيغ، وأن يخصَّهم بالهداية والرحمة، فكأنهم قالوا: ليس الغرض من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا؛ فإنها منقضية، وإنما الغرض الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة؛ فإنا نعلم أنك جامع الناس للجزاء في يوم القيامة، ووعدك حق، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبَدَ الآبادِ، ومن وفقتَه وهديتَه ورحمتَه بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد.

فصل

احتج الجبائيُّ - بهذه الآية - على القطع بوعيد الفساق، قال: لأن الوعيدَ داخل تحت لفظ الوعد؛ لقوله تعالى:قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [الأعراف: 44]، والموعد والميعاد واحد، وقد أخبر - في هذه الآيةِ - أنه لا يُخْلف الميعاد.

والجواب: لا نسلم القول بوعيد الفساق مطلقاً، بل ذلك مشروط بعدم العفو، كما هو مشروط بعدم التوبة بالاتفاقِ، فكما أنكم أثبتم ذلك الشرط بدليل منفصل فكذا نحن أثبتنا شرط عدم العفو بدليل منفصل، سلمنا أنه توعدهم، ولكن لا نسلم أن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد، ويكون قوله:فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [الأعراف: 44] كقوله:فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [آل عمران: 21] وقوله:ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [الدخان: 49]، فيكون من باب التهكمِ، ويجوز أن يكون المراد أنهم كانوا يتوقعون من أوثانهم أنها تشفع لهم عند الله تعالى.

السابقالتالي
2