الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

الاستفهام فيه كقوله:كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } [البقرة: 28].

وقيل: الاستفهام - هنا - معناه النَّفْي كقوله: [الخفيف]
1532- كَيْفَ نَوْمي عَلَى الْفِرَاش وَلَمَّا   تَشمَلِ الشَّامَ غَارَةٌ شَعْوَاءُ؟
وقول الآخر: [الطويل]
1533- فَهَذِي سُيُوفٌ يَا صُدَيُّ بْنَ مَالِكٍ   كَثِيرٌ، وَلَكِنْ كَيْفَ بِالسَّيْفِ ضَارِبُ؟
يعني: أين بالسيف؟

{ وَشَهِدُوۤاْ } في هذه الجملة ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أنها معطوفة على " كَفَرُوا " و " كَفَرُوا " في محل نَصْب؛ نعتاً لِـ " قوماً " أي: كيف يهدي من جمع بين هذين الأمرين، وإلى هذا ذهب ابنُ عطيةَ والحَوْفِيُّ وأبو البقاء، وردَّه مكيّ، فقال: لا يجوز عطف " شَهِدُوا " على " كَفَرُوا " لفساد المعنى. ولم يُبَيِّن جهَةَ الفساد، فكأنه فهم الترتيب بين الكفر والشهادة، فلذلك فَسَد المعنى عنده. وهذا غير لازم؛ فإن الواو لا تقتضي ترتيباً، ولذلك قال ابن عطيةَ: " المعنى مفهوم أن الشهادة قبل الكُفْر، والواو لا تُرَتِّب ".

الثاني: أنها في محل نصب على الحال من واو " كَفَرُوا " فالعامل فيها الرافع لصاحبها، و " قد " مضمرة معها على رأي - أي كفروا وقد شهدوا، وإليه ذهب جماعةٌ كالزمخشريِّ، وأبي البقاء وغيرهما.

قال أبو البقاء: " ولا يجوز أن يكون العامل " يَهْدِي "؛ لأنه يهدي من شَهِدَ أن الرسولَ حق ".

يعني أنه لا يجوز أن يكون حالاً من " قَوْماً " والعاملُ في الحالِ " يَهْدِي " لما ذكر من فساد المعنى.

الثالث: أن يكون معطوفاً على " إيمَانِهِمْ " لما تضمَّنه من الانحلال لجملة فعلية؛ إذ التقدير: بعد أن آمنوا وشهدوا، وإلى هذا ذهب جماعة.

قال الزمخشريُّ: أن يُعْطَف على ما في " إيمانهم " من معنى الفعل؛ لأن معناه: بعد أن آمنوا، كقوله:فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن } [المنافقون: 10] وقول الشاعر: [الطويل]
1534- مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً   وَلاَ نَاعِبٍ إلاَّ بِبَيْنٍ غُرَابُهَا
وجه تنظيره ذلك بالآية والبيت يوهم ما يسوِّغ العطف عليه في الجملة، كذا يقول النحاة: جزم على التوهم أي لسقوط الفاء؛ إذْ لو سقطت لانجزم في جواب التحضيض، ولذا يقولون: توهَّم وجودَ الباء فَجَرَّ.

وفي العبارة - بالنسبة إلى القرآن - سوء أدبٍ، ولكنهم لم يقصدوا ذلك.

وكان تنظير الزمخشري بغير ذلك أولى، كقوله:إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [الحديد: 18].

إذ هو في قوة: إن الذين تصدقوا وأقرضوا.

وقال الواحدي: " عطف الفعل على المصدر؛ لأنه أرادَ بالمصدر الفعلَ، تقديره: كفروا بالله بعد أن آمنوا، فهو عطف على المعنى، كقوله: [الوافر]
1535- لَلُبْسُ عَبَاءةٍ وَتَقَرُّ عَيْنِي   أحَبُّ إلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
معناه: لأن ألبس عباءةً وتقرَّ عيني ".

السابقالتالي
2 3 4