الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

وفي هذه الآية احتمالان:

أحدهما: أن يكون المأمور بهذا القول - وهو " آمَنَّا " إلى آخره - هو محمد صلى الله عليه وسلم ثم في ذلك معنيان:

أحدهما: أن يكون هو وأمته مأمورين بذلك، وإنما حُذِفَ معطوفُه؛ لِفَهْم المعنى، والتقدير: قل يا محمد أنت وأمتك: آمنا بالله، كذا قدَّره ابنُ عطية.

والثاني: أن المأمور بذلك نبينا وحده، وإنما خوطب بلفظ الجمع؛ تعظيماً له.

قال الزمخشري: " ويجوز أن يُؤمَر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك؛ إجلالاً من الله - تعالى - لقدر نبيِّه ".

والاحتمال الثاني: أن يكون المأمور بهذا القول مَنْ تقدم، والتقدير: قل لهم: قولوا: آمنا، فـ " آمَنَّا " منصوب بـ " قُلْ " على الاحتمال الأول، وبـ " قُولُوا " المقدَّر على الاحتمال الثاني، وذلك القول المُضْمر منصوب المحل.

وهذه الآية شبيهة بالتي في البقرة، إلا أنَّ هنا عَدَّى " أُنْزِلَ " بـ " عَلَى " وهناك عدَّاه بـ " إلى ".

قال الزمخشري: لوجود المعنيين جميعاً؛ لأن الوحي ينزل من فوق، وينتهي إلى الرسل، فجاء تارة بأحد المعنيين، وأخرى بالآخر.

قال ابن عطيةَ: " الإنزال على نَبِيّ الأمة إنزال عليها " وهذا ليس بطائل بالنسبة إلى طلب الفرق.

قال الراغب: " إنما قال - هنا - " عَلَى " ، لأن ذلك لما كان خطاباً للنبيّ صلى الله عليه وسلم وكان واصلاً إليه من الملأ الأعلى بلا واسطةٍ بشريةٍ، كان لفظ " عَلَى " المختص بالعُلُوِّ أوْلَى به، وهناك لما كان خطاباً للأمة، وقد وصل إليهم بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم كان لفظ " إلَى " المختص بالاتصال أوْلَى.

ويجوز أن يقال: " أنزل عليه " ، إنما يُحْمَل على ما أُمِر المنزَّل عليه أن يُبَلِّغَه غيرَه. وأنزل إليه، يُحْمَل على ما خُصَّ به في نفسه، وإليه نهاية الإنزال، وعلى ذلك قال تعالى:أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } [العنكبوت: 51] وقال:وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل: 44] خص هنا بـ " إلى " لما كان مخصوصاً بالذكر الذي هو بيان المنزل، وهذا كلام في الأولى لا في الوجوب ".

وهذا الذي ذكره الراغب ردَّه الزمخشريُّ، فقال: " ومن قال: إنما قيل: " عَلَيْنَا " لقوله: " قُلْ " و " إلينا " لقوله: " قُولُوا " ، تفرقة بين الرسول والمؤمنين؛ لأن الرسول يأتيه الوحي عن طريق الاستعلام، ويأتيهم على وجه الانتهاء، فقد تعسَّف؛ ألا ترى إلى قوله:بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } [البقرة: 4] وقوله:وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } [المائدة: 48] وقوله:وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ }

السابقالتالي
2