الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ }

اعلم أنه تعالى لمَّا حكى عن الراسخين أنهم يقولون: " آمنا به " ، حكى أنهم يقولون: ربنا لا تزغ قلوبنا وحذف يقولون؛ لدلالة الأول عليه، كما في قوله:وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلا } [آل عمران: 191].

قال القرطبيُّ: ويجوز أن يكون المعنى: قل يا محمدُ.

قوله: " لا تُزغْ " العامة على ضَمِّ حَرْف المضارعةِ، من أزاغ يزيغ، و " قُلُوبَنَا " مفعول به، وقرأ أبو بكر بن فايد وأبو واقد الجراح: " لا تَزغْ قُلُوبُنَا " - بفتح التاء، ورفع " قُلُوبُنَا " ، وقرأ بعضهم كذلك إلا أنه بالياء من تحت، وعلى القراءتين، فالقلوب فاعل بالفعل المنهي عنه، والتذكير والتأنيث باعتبار تأنيثِ الجمع وتذكيره، والنهي في اللفظ للقلوب، وفي المعنى دعاء لله تعالى - أي: لا تزغ قلوبنا فتزيغ، فهو من باب " لا أرَينَّكَ ههُنَا ".

وقول النابغة: [البسيط]
1329 - لا أعرِفَن رَبْرَباً حُوراً مَدَامِعُهَا   ..........................
قوله: { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } ، " بَعْدَ " منصوب بـ " لا تُزِغْ " ، و " إذْ " هنا خرجت عن الظرفية؛ للإضافة إليها وقد تقدم أن تصرفها قليل، وإذا خرجت عن الظرفيةِ، فلا يتغير حكمها من لزوم إضافتها إلى الجملة بعدها، كما لم يتغير غيرها من الظروف في هذا الحكمِ، ألا ترى إلى قولههَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ } [المائدة: 119] ويَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } [الانفطار: 19] - قراءة من رفع " يومُ " في الموضعين -.

وقول الآخر: [الطويل]
1330 -.............................   عَلَى حِينِ الكِرَامُ قَلِيلُ
وقوله: [الطويل]
1331 - عَلى حِينِ مَنْ تَلْبَثْ عَلَيْهِ ذُنُوبهُ   .....................
وقوله: [الطويل]
1332 - عَلَى حِينِ عَاتَبْتُ الْمَشِيْبَ عَلَى الصِّبَا   ..................
وقوله: [الطويل]
1333 - أَلا لَيْتَ أَيَّامَ الصَّفَاء جَدِيدُ   .......................
كيف خرجت هذه الظروف عن النصب إلى الرفع والجر والنصب بـ " لَيْت " ، ومع ذلك هي مضافةٌ للجمل التي بعدها.

فصل

هذه الآية تدل على أن الزيغَ والهداية خلق الله تعالى، قال أهل السنة: ذلك لأن القلب صالح لأن يميلَ إلى الكفر، ويمتنع أن يميل إلى أحد الجانبين، إلا عند حدوث داعية وإرادة أحدثها الله تعالى.

فإن كانت تلك الداعية [داعية] الكفر، فهي الخذلان، والإزاغة، والصد، والختم، والرَّيْن، والقسوة والوقر والكنان، وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن.

وإن كانت تلك الداعيةُ داعيةَ الإيمان، فهي التوفيق، والإرشاد، والهداية، والتسديد، والتثبيت، والعصمة وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قَلْبُ المؤمن بَيْنَ أصبعينِ مِنْ أصابعِ الرَّحْمَنِ، إنْ شَاءَ أقامه، وإن شاء أزاغَهُ " والمرادُ من هذين الأصبعين الداعيتان، وكان صلى الله عليه وسلم يقول:

السابقالتالي
2 3