الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

اللام في " لِمَنْ " فيها وجهان:

أحدهما: أنها زائدة مؤكِّدة، كهي في قوله تعالى:قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } [النمل: 72] أي: ردفكم وقول الآخر: [الوافر]
1511- فَلَمَّا أنْ تَوَاقَفْنَا قَلِيلاً   أنَخْنَا لِلْكَلاَكِلِ فَارْتَميْنَا
وقول الآخر: [الكامل]
1512- مَا كُنْتُ أخْدَعُ لِلْخَلِيلِ بِخُلَّةٍ   حَتَّى يَكُونَ لِيَ الْخَلِيلُ خَدُوعَا
وقول الآخر: [الطويل]
1513- يَذُمُّونَ لِلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْلِبُونَهَا   أفَاوِيقَ حَتَّى ما يَدِرُّ لَهَا فَضْلُ
أي: أنخنا الكلاكِلَ، وأخدع الخليل، ويذمون الدنيا، ويُرْوَى: يذمون بالدنيا، بالباء.

قال شهابُ الدينِ: وأظن البيتَ: يذمون لِي الدنيا - فاشتبه اللفظ على السامع - وكذا رأيته في بعض التفاسيرِ، وهذا الوجه ليس بالقوي.

الثاني: أن " آمن " ضُمِّن معنى أقَرَّ واعْتَرَف، فعُدِّيَ باللام، أي: ولا تُقِرّوا، ولا تعترفوا إلا لمن تبع دينكم، ونحوه قوله:فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ } [يونس: 83] وقوله:وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [يوسف: 17] وقال أبو علي: وقد يتعدَّى آمن باللام في قوله:فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ } [يونس: 83]، وقوله:آمَنتُمْ لَهُ } [طه: 71]، وقوله:يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [التوبة: 61] فذكر أنه يتعدى بها من غير تضمين، والصَّوَابُ التضمين وقد تقدم تحقيقه أول البقرة. وهنا استثناء مُفَرَّغٌ.

وقال أبو البقاء: { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ } فيه وجهان:

أحدهما: أنه استثناء مما قبلَه، والتقديرُ: ولا تَقرُّوا إلا لمن تبع، فعلى هذا اللام غير زائدة ولا يجوز أن تكون زائدة ويكون محمولاً على المعنى، أي اجْحَدوا كُلَّ أحد إلا من تبع دينكم.

والثاني: أن النية به التأخير، والتقدير: ولا تُصَدِّقُوا أن يؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم؛ فاللام على هذا - زائدة، و " مَنْ " في موضع نصب على الاستثناء من أحد.

وقال الفارسيُّ: الإيمان لا يتعدى إلى مفعولين، فلا يتعلق - أيضاً - بجارين، وقد تعلَّق بالجار المحذوف من قوله: { أَن يُؤْتَىۤ } فلا يتعلق باللام في قوله: { لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } إلا أن يحمل اللام على معناه، فيتعدى إلى مفعولين، ويكون المعنى: ولا تُقِرُّوا بأن يُؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينَكم، كما تقول: أقررت لزيد بألفٍ، فتكون اللام متعلقة بالمعنى، ولا تكون زائدة على حد:رَدِفَ لَكُمْ } [النمل: 72] وإِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43] وهذا تَصْرِيحٌ من أبي علي بأنه ضمن " آمن " معنى " أقَرَّ ".

فصل

اتفق المفسّرون على أن هذا بقية كلامِ اليهودِ، وفيه وجهانِ:

الأول: أن معناه: ولا تُصَدِّقُوا إلا بنبي يُقرِّر شرائعَ التوراةِ، ومَنْ جاء بتغيير شرع من أحكام التوراة، فلا تصدقوه، وعلى هذا التفسير تكون اللام في { لِمَنْ تَبِعَ } صلة زائدة.

الثاني: معناه: لا تأتوا بذلك الإيمان إلا لأجل مَنْ تبع دينكم، أي: ليس الغرضُ من الإتيان بذلك التلبيس إلا بقاء أتباعكم على دينكم، فإنّ مقصود كلِّ أحد حفظ أتباعه وأشياعه على متابعته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9