الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

قوله: { إِلَىٰ كَلِمَةٍ } مُتَعَلِّق بـ " تَعَالَوْا " فذكر مفعول " تَعَالَوْا " بخلاف " تَعَالَوْا " قبلها، فإنه لم يذكر مفعوله؛ فإن المقصودَ مُجَرَّدُ الإقبال، ويجوز أن يكون حذفه للدلالة عليه، تقديره: تعالوا إلى المباهلة.

وقرأ العامة " كَلِمَةٍ " - بفتح الكاف وكسر اللام - وهو الأصل، وقرأ أبو السَّمَّال " كِلْمَةٍ " بوزن سدرة و " كَلْمَةٍ " كَضَرْبَة وتقدم هذا قريباً.

وكلمة مفسَّرة بما بعدها - من قوله: " ألاّ نَعْبُدَ إلاَّ الله " - فالمرادُ بها كَلاَمٌ كَثِيرٌ، وهَذا مِنْ بَابَ إطلاق الجزء والمراد به الكل، ومنه تسميتهم القصيدة جميعاً قافيةً - والقافية جزء منها قال: [الوافر]
1496- أعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ   فَلَمَّا اشتدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي
وَكَمْ عَلَّمْـُهُ نَظْمَ الْقَوَافِي   فَلَمَّا قَالَ قَافِيَةً هَجَانِي
ويقولون كلمة الشهادة - يعنون: لا إله إلا الله، مُحَمدٌ رَسُولُ اللهِ - وقال صلى الله عليه وسلم: " أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالهَا شاعرٌ كلمة لبِيدٍ ".

يريد: [الطويل]
1497- ألا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ   وَكُلُّ نَعِيمٍ - لا مَحَالَةَ - زَائِلُ
وهذا كما يسمون الشيء بجزئه في الأعيان، لأنه المقصود منه، قالوا لرئيس القوم - وهو الذي ينظر لهم ما يحتاجون إليه -: عَيْن، فأطلقوا عليه " عيناً ".

وقال بعضهم: وُضِعَ المفردُ موضعَ الجمع، كما قال: [الطويل]
1498- بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى، فَأمَّا عِظَامُهَا   فَبِيضٌ، وَأمَّا جِلدُهَا فَصَلِيبُ
وقيل: أطلقت الكلمة على الكلمات؛ لارتباط بعضها ببعضٍ، فصارت في قوة الكلمة الواحدة - إذا اخْتلَّ جُزْءٌ منها اختلت الكلمةُ؛ لأن كلمة التوحيد - لا إله إلا الله - هي كلماتٌ لا تتم النسبة المقصودة فيها من حصر الإلهية في " الله " إلا بمجموعها.

وقرأ العامة " سَوَاءٍ " بالجر؛ نعتاً لِـ " كَلِمَةٍ " بمعنى عَدْلٍ، ويدل عليه قراءة عبد الله: إلى كلمة عدل، وهذا تفسير لا قراءة.

وسواء في الأصل - مصدر، ففي الوصف التأويلات الثلاثة المعروفة، ولذلك لم يُؤنث كما لم تؤنث بـ " امرأة عدل "؛ لأن المصادر لا تُثَنَّى، ولا تُجْمَع، ولا تُؤنَّثُ، فإذا فتحت السين مَدَدْتَ، وإذا كسرتَ أو ضممت قصرت، كقوله:مكَانًا سُوًى } [طه: 58].

وقرأ الحسن " سَوَاءٌ " بالنصب، وفيها وجهان:

أحدهما: نصبها على المصدر.

قال الزمخشريُّ: " بمعنى: اسْتَوْتِ اسْتِوَاءً " ، وكذا الحوفيّ.

والثاني: أنه منصوب على الحال، وجاءت الحالُ من النكرةِ، وقد نصَّ عليه سيبويه.

قال أبو حيّان: " ولكن المشهور غيره، والذي حسَّن مجيئَها من النكرة - هنا - كونُ الوَصْفِ بالمصدر على خلاف الأصل، و الصفة والحال متلاقيان من حيث المعنى ".

السابقالتالي
2 3 4