الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ }

يجوز في " مَنْ " وجهان:

أحدهما: أن تكونَ شرطية - وهو الظاهرُ - أي: إن حاجَّكَ أحدٌ فقُل له كيت وكيت.

ويجوز أن تكونَ موصولة بمعنى: " الذي " وإنما دخلت الفاءُ في الخبرِ لتضمُّنه معنى الشرطِ [والمحاجةِ مفاعلة وهي من اثنين، وكانَ الأمرُ كذلِكَ].

" فِيهِ " متعلق بـ " حَاجَّكَ " اي: جادلَكَ في شأنِهِ، والهاء فيها وجهان:

أولهما: وهو الأظهرُ - عودُها على عيسى عليه السلامُ.

الثاني: عودها على " الْحَقِّ "؛ لأنه أقربُ مذكورٍ، والأول أظْهَرُ؛ لأنَّ عيسى هو المحدَّثُ عنهُ، وهو صاحبُ القصة. قوله: { مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ } متعلق بـ " حَاجَّكَ " - أيضاً - و " ما " يجوز أن تكون موصولة اسمية، ففاعل " جَاءََكَ " ضمير يعود عليها، أي: من بعد الذي جاءك هو. { مِنَ الْعِلْمِ } حال من فاعل " جَاءَكَ ".

ويجوز أن تكونَ موصولةً حرفيَّةً، وحينئذٍ يقال: يلزم من ذلك خُلُوُّ الفعل من الفاعلِ، أو عَوْد الضمير على الحرف؛ لأن " جَاءَكَ " لا بد له من فاعل، وليس معنا شيء يصلح عوده عليه إلا " ما " وهي حرفية.

والجوابُ: أنه يجوز أن يكون الفاعل قوله: { مِنَ الْعِلْمِ } و " من " مزيدة - أي: من بعد ما جاءك العلم - وهذا إنما يتخرج على قول الأخفش؛ لأنه لا يشترط في زيادتها شيئاً. و " مِنْ " في قوله: " مِنَ الْعِلْمِ " يحتمل أن تكون تبعيضيَّة - وهو الظاهر - وأن تكون لبيان الجنس. والمراد بالعلم هو أنَّ عيسى عبد الله ورسوله، وليس المراد - هاهنا - بالعلم نفس العلم؛ لأن العلمَ الذي في قلبه لا يؤثر في ذلك، بل المرادُ بالعلم، ما ذكره من الدلائل العقلية، والدلائل الواصلة إليه بالوحي.

فصل

ورد لفظ " الْعِلْم " في القرآن على أربعة [أضربٍ].

الأول: العلم القرآن، قال تعالى:فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } [آل عمران: 61].

الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى:فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } [الجاثية: 17] أي: محمد، لما اختلف فيه أهلُ الكتاب.

الثالث: الكيمياء، قال تعالى - حكاية عن قارون -:إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [القصص: 78].

الرابع: الشرك، قال تعالى:فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } [غافر: 83] أي من الشرك.

فصل

قال ابن الخطيب: لما كنت بخوارزم أخبرتُ أنه جاء نصرانيٌّ يَدَّعِي التحقيق والتعمق في مذهبهم، فذهَبْتُ إليه، وشرعنا في الحديث، فقال: ما الدليل على نُبُوَّةِ محمد؟ فقلتُ كما نقل إلينا ظهورُ الخوارق على يد موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء نُقِل إلينا ظهور الخوارق على يد محمد صلى الله عليه وسلم فإن ردَدْنَا التواتُرَ، وقُلْنَا: إن المعجز لا يدل على الصدق فحينئذ بطل نبوة سائر الأنبياءِ - عليهم السلامُ - وإن اعترفنا بصحةِ التواتُرِ، واعترفنا بدلالةِ المُعْجِزِ على الصدقِ، فهُمَا حاصلان في مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فوجبَ الاعترافُ قطعاً بنبوةِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ضرورةَ أن عند الاستواء في الدليل لا بدّ من الاستواء في حصول المدلول.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8