الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ }

{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ } جملة مستأنفة لا تعلُّق لها بما قبلها تعلقاً صناعياً، بل معنويًّا. وزعم بَعْضهُمْ أنها جواب القسم، وذلك القسم هو قوله: { وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ } كأنه قيل: أقسم بالذكر الحكيم أنَّ مثل عيسى، فَيَكُونُ الْكَلاَمُ قد تم عند قوله: { مِنَ الآيَاتِ } ثم استأنف قسماً، فالواو حَرْف جَرٍّ، لا عطف وهذا بَعِيدٌ، أو مُمْتَنعٌ؛ إذ فيه تفكيكٌ لنَظْم القرآنِ، وإذْهاب لرونقه وفصاحته.

قوله: { خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ } في هذه الجملة وَجْهَانِ:

أظهرهما: أنها مفسِّرة لوجه الشبه بين المثلين، فلا مَحَلَّ لَهَا حينئذٍ مِنَ الإعْرَابِ.

الثاني: أنها في محل نصب على الحال من آدَمَ عليه السلام و " قد " معه مضمرة، والعامل فيها معنى التشبيه والهاء في " خَلَقَهُ " عائدة على " آدم " ولا تعود على " عِيْسَى " لِفَسَادِ المعنى.

وقال ابن عطية: " ولا يجوز أن تكون خَلَقَه [صفة] لآدم ولا حالاً منه ".

قال الزّجّاج: إذ الماضي لا يكون حالاً أنت فيها, بل هو كلامٌ مَقْطُوعٌ منه مَضمَّن تفسير الْمَثَلِ، كما يقال في الكَلامِ: مثلك مثل زيد، يشبه في امر من الأمور، ثم يخبر بقصة زيد، فيقول: فعل كذا وكذا.

قال أبو حيّان: " وَفيهِ نَظرٌ " ولم يُبَيِّنُ وَجْهَ النظر.

قال شهاب الدِّينِ: " والظاهر من هذا النظر أن الاعتراضَ - وهو قوله: لا يكون حالاً أنت فيها غير لازمٍ؛ إذ تقدير " قَدْ " تُقَرِّبُه من الحال. وقد يظهر الجوابُ عما قاله الزَّجَّاجُ من قول الزمخشريِّ: قدره جسداً من طين { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ } أي: أنشأه بَشَراً ".

قال أبو حيّان: ولو كان الخلق بمعنى الإنشاء - لا بمعنى التقدير - لم يأت بقوله: " كُنْ "؛ لأن ما خلق لا يقال له: كُنْ، ولا ينشأ إلا إن كان معنى: { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن } عِبَارةً عَنْ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ.

وقال الواحديُّ: قوله { خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ } لَيْسَ بِصِلَةٍ لآدم وَلاَ صِفَةٍ؛ لأن الصِّلَةَ للمبهمات، والصفة للنَّكِرِاتِ، ولكنه خبر مُسْتَأنَف على وجه التفسِيرِ لحال آدمَ عليه السلام.

وعلى قول الزجّاج: { مِن تُرَابٍ } فيه وجهان:

أظهرهما: أنه متعلق بـ " خَلَقَهُ " أي: ابتدأ خلقه من هذا الجنس.

الثاني: أنه حال من مفعول " خلقه " تقديره: خلقه كائناً من تراب، وهذا لا يساعده المعنى.

وَالْمَثَلُ هاهنا منهم من فسَّره بمعنى الحال والشأن.

قال الزَّمَخْشَريُّ: " إن شأن عيسى وحاله الغريبة كشأن آدمَ ". وعلى هذا التفسير فالكاف على بابها - من كونها حرف تشبيه - وفسَّر بعضُهم المثل بمعنى الصفة، كقوله:مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6