الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

القصة الثانية

" هنا " هو الاسم، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، وهو منصوب على الظرف المكاني بـ " دَعَا " وزان " ذلك " ، وهو منصوب على الظرف المكاني، بـ " دعا " أي: في ذلك المكان الذي رأى فيه ما رأى من أمر مريمَ، وهو ظرف لا يتصرف بل يلزم النصبَ على الظرفية بـ " مِنْ " وَ " إلَى ".

قال الشاعر: [الرجز]
1426- قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أمكِنَهْ   مِنْ هَاهُنَا وَمِنْ هُنَهْ
وحكمه حكم " ذَا " من كونه يُجَرَّد من حرف التنبيه، ومن الكاف واللام، نحو " هُنَا " وقد يَصْحَبه " ها " التنبيه، نحو هاهنا، ومع الكاف قليلاً، نحو ها هناك، ويمتنع الجمع بينها وبين اللام. وأخوات " هنا " بتشديد النون مع فتح الهاء وكسرها - و " ثَمَّ " بفتح الثاء - وقد يقال: " هَنَّت ". ولا يشار بـ " هُنَالِكَ " وما ذُكِرَ مَعَهُ إلا للأمكنة، كقوله:فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ } [الأعراف: 119] وقوله:هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ } [الكهف: 44] وقوله:دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } [الفرقان: 13].

وقد زعم بعضهم أن " هُنا " و " هناك " و " هنالك " للزمان، فمن ورود " هنالك " بمعنى الزمان عند بعضهم - هذه الآية أي: في ذلك الزمان دعا زكريا ربه، ومثله:هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [الأحزاب: 11]، وقوله: { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ } ومنه قول زهير: [الطويل]
1427- هُنَالِكَ إنْ يُسْتَخْبَلُوا الْمَالَ يُخْبِلُوا   ..........................
ومن " هنَّا " قوله: [الكامل]
1428- حَنَّتْ نُوَارُ وَلاَتَ هَنَّا حَنَّتِ   وَبَدَا الَّذِي كَانَتْ نَوَارُ أجَنَّتِ
لأن " لات " لا تعمل إلا في الأحيان.

وفي عبارة السجاوندي أن " هناك " في المكان، و " هنالك " في الزمان، وهو سهو؛ لأنها للمكان سواء تجردت، أو اتصلت بالكاف واللام معاً، أم بالكاف من دون اللام.

فصل

ذكر المفسّرون أن زكريا - عليه السلام - لما رأى خَوَارِقَ العادة عند مريم طمع في خرق العادةِ في حقه، فرزقه الله الولد من الشيخة العاقر.

فإن قيل: لِمَ قلتم: إنَّ زكريا - عليه السلام - ما كان عالماً بأن الله قادر على خَرْق العادة إلا عند مشاهدة تلك الكرامات عند مريم، وهذه النسبة شَكٌّ في قدرة الله - تعالى - من زكريا، وإن قلتم بأنه كان عالماً بقدرة الله تعالى على ذلك لم تكن المشاهدة سبباً لزيادة علمه بقدرة الله - تعالى - فلم يكن لمشاهدته لتلك الكرامات أَثرٌ في السببية؟

فالجواب: أنه كان عالماً قبل ذلك بالخوارق، أما أنّه هل تقع أم لا؟ فلم يكن عالماً به، فلما شاهد وعلم أنه إذا وقع كرامة لوَلِيّ فبأن يجوز وقوع معجزة لنبيّ كان أولى، فلا جرم قوي طمعه عند ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد