الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

قرأ العامة " تُحِبُّونَ " - بضم حرف المضارعة، من " أحَبَّ " وكذلك { يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ }.

وقرأ أبو رجاء العُطَارِديّ " تَحِبُّون، يَحْبِبْكم " بفتح حرف المضارعة - من حَبَّ - وهما لغتان، يقال حَبَّه يَحُبُّه - بضم الحاء وكسرها في المضارع - وأحَبَّهُ يُحبُّهُ.

وحكى أبو زيد: حَبَبْتُهُ، أحِبُّه.

وأنشد:
1410- فَوَاللهِ لَوْلاَ ثُمْرُهُ مَا حَبَبْتُهُ   وَلاَ كَانَ أدْنَى مِنْ عُوَيفٍ وَمُشرِقِ
ونقل الزمخشريُّ: قراءة يحبكم - بفتح الياء والإدغام - وهو ظاهر، لأنه متى سكن المثلين جَزْماً، أو وقْفاً جاز فيه لغتان: الفك والإدغام. وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله في المائدة.

والحُبّ: الخَابِيَة - فارسيّ مُعَرَّب - والجمع: حِباب وحِبَبَة، حكاه الجوهريُّ.

وقرأ الجمهور " فَاتَّبِعُونِي " بتخفيف النون، وهي للوقاية.

وقرأ الزُّهري بتشديدها، وخُرِّجَتُ على أنه ألحق الفعل نون التأكيد، وأدغمها في نون الوقاية وكان ينبغي له أن يحذف واوَ الضمير؛ لالتقاء الساكنين، إلا أنه شبَّه ذلك بقوله: { أَتُحَاجُّوۤنِّي } وهو توجيه ضعيف ولكن هو يصلح لتخريج هذا الشذوذ.

وطعن الزجاجُ على من روى عن أبي عمرو إدغام الراء من " يغفر " في لام " لكم ".

وقال: هو خطأ وغلط على أبي عمرو. وقد تقدم تحقيقه، وأنه لا خطأ ولا غلط، بل هو لغة للعرب، نقلها الناس، وإن كان البصريون لا يُجِيزون ذلك كما يقول الزجاج.

فصل

اعلم أنه - تعالى - لما دعاهم إلى الإيمان به وبرسولِه على سبيل التهديدِ والوعيد دعاهم إلى ذلك بطريق آخرَ، وهو أن اليهود كانوا يقولون:نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18] فنزلت هذه الآية.

وروي الضحاك - عن ابن عباس - أن النبي وقف على قريش - وهم في المسجد الحرام يسجدون للأصنام وقد علقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها السيوف.

- فقال: يا معشر قريش، والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم، فقالت قريش: إنما نعبدها حباً لله:لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]، فقال الله - تعالى -: " قل " يا محمد { إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ } فتعبدون الأصنام لتقربكم إليه { فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } فأنا رسولُه إليكم، وحجتُه عليكم أي اتبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله.

وقال القرطبي: " نزلت في وفد نجرانَ؛ إذْ زعموا أنّ ما ادَّعَوْه في عيسى حُبٌّ لله عز وجل ".

وروي أن المسلمين قالوا: يا رسول الله، والله إنا لنحب رَبَّنا، فأنزل الله - عز وجل - { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي } [آل عمران: 31].

قال ابن عرفة: المحبة - عند العرب - إرادة الشيء على قَصْدٍ له.

وقال الأزهري: محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما، واتباعه أمرهما، قال تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي } [آل عمران: 31] [ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران، قال الله تعالى: { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 32]، أي: لا يغفر لهم].

السابقالتالي
2 3