الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

في ناصب " يَوْمَ " أوْجُهٌ:

أحدها: أنه منصوب بـ " قَدِيرٌ " ، أي: قدير في ذلك اليوم العظيم، لا يقال: يلزم من ذلك تقييد قدرته بزمان؛ لأنه إذا قدر في ذلك اليوم الذي يُسْلَب فيه كلُّ أحدٍ قدرته، فلأنْ يقدرَ في غيره بطريق الأولى. وإلى هذا ذهب أبو بكر ابن الأنباري.

الثاني: أنه منصوب بـ " يُحَذِّرُكُمْ " ، أي: يخوفكم عقابه في ذلك اليوم، وإلى هذا نحا أبو إسحاق، ورجحه.

ولا يجوز أن ينتصب بـ " يُحَذِّرُكُمْ " المتأخرة.

قال ابن الأنباري: " لا يجوز أن يكون اليوم منصوباً بـ " يُحَذِّرُكُمْ " المذكور في هذه الآية؛ لأن واو النسق لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ".

وعلى ما ذكره أبو إسحاق يكون ما بين الظرفِ وناصبه معترضاً، وهو كلامٌ طويلٌ، والفصل بمثله مستبعد، هذا من جهة الصناعة، وأما من جهة المعنى، فلا يصح؛ لأن التخويف لم يقع في ذلك اليوم؛ لأنه ليس زمانَ تكليف؛ لأن التخويف موجود، واليوم موعود، فكيف يتلاقيان؟

قال: أن يكون منصوباً بالمصير، والتقدير: وإلى الله المصير يومَ تَجِدُ، وإليه نحا الزّجّاجُ - أيضاً - وابن الأنباري ومكيٌّ، وغيرُهم، وهذا ضعيف على قواعد البصريين؛ للزوم الفصل بين المصدر ومعموله بكلامٍ طويلٍ.

وقد يقال: إن جُمَل الاعتراضِ لا يُبَالَى بها في الفصل، وهذا من ذاك.

الرابع: أن يكون منصوباً بـ " اذكر " مقدراً، فيكون مفعولاً به لا ظرفاً، وقدر الطبريُّ الناصب له " اتَّقُوا " ، وفي التقدير ما فيه من كونه على خلاف الأصلِ، مع الاستغناء عنه.

الخامس: أن العامل فيه ذلك المضاف المقدر قبل " نفسه " ، أي: يحذركم اللهُ عقاب نفسه يوم تجد، فالعامل فيه " عقاب " لا " يحذركم " قاله أبو البقاء، وفي قوله: " لا يُحَذِّرُكُمْ " فرار عما أورد على أبي إسحاقَ كما تقدم.

السادس: أنه منصوب بـ " تَوَدُّ ".

قال الزمخشريُّ: " يَوْمَ تَجِدُ " منصوب بـ " تَوَدُّ " والضمير في " بينه " لليوم، أي: يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها تتمنى لو أن بينها، وبين ذلك اليوم، وهَوْله أمداً بعيداً ".

وهذا ظاهر حسنٌ، ولكن في هذه المسألة خلافٌ ضعيف؛ جمهور البصريين والكوفيين على جوازها، وذهب الأخفشُ والفرّاءُ إلى مَنْعِهَا.

وضابط هذه المسألة أنه إذا كان الفاعلُ ضميراً عائداً إلى شيء مُتَّصِلٍ بمعمولِ الفعلِ نحو: ثَوْبَيْ أخَوْيك يلبسان، فالفاعل هو الألف، وهو ضمير عائد على " أخويك " المتصلين بمفعول " يلبسان " ومثله: غلام هندٍ ضربَتْ، ففاعل " ضربت " ضمير عائد على " هند " المتصلة بـ " غلام " المنصوب بـ " ضربت " والآية من هذا القبيل؛ فإن فاعل " تَوَدُّ " ضميرٌ عائدٌ على " نَفْس " المتصلة بـ " يَوْمَ " لأنها في جملة أضِيفَ الظرفُ إلى تلك الجملةِ، والظرف منصوب بـ " تَوَدُّ " ، والتقدير: يوم وُجدان كل نفس خيرها وشرها مُحْضَرَيْنِ تَوَدُّ كذا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7