الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

لمَّا بيَّن دلائلَ التوحيدِ والنبوَّةِ، وصحة دينِ الإسلام، وذكر صفاتِ المخالفين، وشدةَ عنادِهم وغُرُورِهم، ثم ذكر وعيدَهم بجمعهم يوم القيامة، أمر رسوله - عليه السلام - بدعاءٍ وتمجيدٍ يخالف طريقةَ هؤلاءِ المعاندين.

قوله: " اللَّهُمَّ " اختلف البصريون والكوفيون في هذه اللفظةِ.

قال البصريون: الأصل: يا الله، فحُذِفَ حَرْفُ النداءِ، وعُوِّضَ عنه هذه الميمُ المشددة، وهذا خاصٌّ بهذا الاسم الشريف، فلا يجوز تعويضُ الميم من حرف النداء في غيره، واستدلوا على أنها عِوَضٌ من " يا " بأنهم لم يجمعوا بينهما إلا في ضرورة الشعر، كقوله: [الرجز]
1378- وَمَا عَلَيْكِ أنْ تَقُولِي كُلَّمَا   سَبَّحْتِ أوْ هَلَّلْتِ يَا اللَّهُمَّ مَا
أُرْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخَنَا مُسَلَّمَا   فَإنَّنَا مِنْ خَيْرِهِ لَنْ نُعْدَمَا
وقَوْلِ الآخر: [الرجز]
1379- إنِّي إذَا مَا حَدَث ألَمَّا   أقُولُ: يَا اللَّهُمَّ، يَا اللَّهُمَّا
وقال الكوفيون: الميم المشددة بَقِيَّةُ فِعْل محذوفٍ، تقديره: أمَّنَا بخير، أي: اقْصِدنا به، من قولك: أمَمْتُ زيداً، أي: قصدته، ومنه:وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } [المائدة: 2] أي: قاصديه، وعلى هذا فالجمع بين " يا " والميم ليس بضرورةٍ عندهم، وليست عوضاً منها.

وقد رَدَّ عليهمُ البصريون هذا بأنه قد سُمِعَ: اللهمَّ أمَّنا بخير، وقال تعالى:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } [الأنفالِ: 32] فقد صرَّح بالمدعُوِّ به، فلو كانت الميمُ بقيةَ " أمَّنَا " لفسد المعنى، فبان بُطْلانهُ.

وهذا من الأسماء التي لزمت النداءَ، فلا يجوز أن يقع في غيره، وقد وقع في ضرورة الشعر كونه فاعلاً، أنشد الفرّاء: [مخلّع البسيط]
1380- كَحَلْفَةٍ مِنْ أبِي دِثَارٍ   يَسْمَعُهَا اللَّهُمَ الْكُبَارُ
استعمله - هاهنا - فاعلاً بقوله: يسمعها.

ولا يجوز تخفيفُ الميم، وجوَّزه الفراء، وأنشد البيت: بتخفيف الميم؛ إذ لا يمكن استقامةُ الوزن إلا بذلك.

قال بعضهم: هذا خطأ فاحشٌ، وذلك لأن الميم بقية " أمَّنَا " - على رأي الفراء - فكيف يجوزه الفراء؟ وأجاب عن البيت بأن الرواية ليست كذلك، بل الرواية: [مخلّع البسيط]
1381-..........................   يَسْمَعُهَـا لاَهُـهُ الْكُـبَـارُ
قال شهابُ الدينِ: " وهذا لا يعارِض الرواية الأخرى؛ فإنه كما صحّت هذه صحت تلك ".

ورد الزّجّاج مذهب الفراء بأنه لو كان الأصل: يا الله آمَّنا للفْظِ به مُنَبِّهاً على الأصل، كما قالوا - في وَيلمِّهِ -: وَيْلٌ لأمِّهِ.

وردوا مذهب الفراءِ - أيضاً - بأنه يلزم منه جواز أن تقول: يا اللهم، ولما لم يَجُزْ ذلك علمنا فساد قولِ الفراءِ، بل نقول: كان يجب أن يكون حرف النداء لازماً، كما يقال: يا الله اغفر لي، وأجاب الفراء عن قول الزَّجَّاجِ بأن أصله - عندنا - أن يقال: يا الله أمَّنا - ومن يُنْكِر جوازَ التكلم بذلك -؟ وأيضاً فلأن كثيراً من الألفاظ لا يجوز فيها إقامةُ الفرع مُقامَ الأصل، ألا ترى أنَّ مذهب الخليل وسيبويه أن " ما أكرمه " معناه: شيء أكرمه، ثم إنه - قط - لا يُسْتَعْمَل هذا الكلام - الذي زعموا أنه هو الأصل - في معرض التعجُّب، فكذا هنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد