الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ }

لمَّا نَبَّهَ على عِنادِهم بقوله:فَإنْ حَآجُّوكَ } [آل عمران: 20] بَيَّنَ في هذه الآيةِ غايةَ عِنادِهم، واعلم أن ظاهر الآية يتناول الكُلَّ؛ لأنه ذكره في معرض الذم، إلا أنه قد دَلَّ دليل آخر على أنه ليس كل أهل الكتاب كذلك، لقوله تعالى:مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [آل عمران: 113] والمراد بالكتاب غير القرآن؛ لأنه أضاف الكتاب إلى الكفار، وهم اليهود والنصارى.

فصل

في سبب النزول وجوهٍ:

أحدها: رَوَى ابنُ عباس: " أنَّ رجلاً وامرأةً - من اليهود - زَنَيَا وكانا ذَوَى شَرَفٍ، وكان في كتابهم الرَّجْمُ، فكرهوا رَجْمَهُمَا؛ لشرفهما، فرجعوا في أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رجَاءَ أن يكون عنده رخصةٌ في تَرْك الرجم، فحكم الرسولُ - عليه السلام - بالرجم، فأنكروا ذلك، فقال - عليه السلام - بيني وبينكم التوراةُ؛ فإن فيها الرَّجمَ، فمَنْ أعْلَمُكم؟ قالوا: رجل أعور يسكن فَدك، يقال له: ابن صوريا، فأرسلوا إليه، فقدِمَ المدينةَ، وكان جبريلُ قد وصفه لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنت ابن صُوريا؟ قال: نَعَمْ، قال: أنت أعلمُ اليهودِ؟ قال: كذلك يَزْعُمُونَ، قال:فأحْضِروا التوراةَ، فلما أتى على آية الرجم وضع يده عليها، فقال ابنُ سَلاَم: قد جاوَزَ موضِعَها يا رسول الله، وقام فرفع كَفَّه عنها فوجدوا آيةَ الرجم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما فرُجِمَا، فغضبت اليهودُ لذلك غَضَباً شديداً " فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وثانيها: روى سعيدُ بنُ جُبَيْر وعكرمةُ - عن ابنِ عباس - قال: " دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيت المِدْرَاس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله - عز وجل - فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن يزيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملة إبراهيم، قالا: إن إبراهيمَ كان يهوديًّا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة؛ فهي بيننا وبينكم حَكَمْ فأبيَا عليه " فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وثالثها: أن علامة بعثة محمد صلى الله عليه وسلم مذكورةٌ في التوراةِ، والدلائل على صحة نبوته موجودة فيها فلما جادلوه في النبوة والبعثة دعاهم إلى التحاكم إلى كتابهم، فأبَوْا، فأنزل الله - تعالى - هذه الآيةَ، ولذلك قال:فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [آل عمران: 93] وهذه الآية تدل على أن دلائلَ صحةِ نبوتهِ موجودةٌ في التوراة؛ إذْ لو علموا أنه ليس في التوراة ما يدل على صحة نبوته لسارعوا إليه، ولَمَا ستروا ذلك.

رابعها: أن هذا الحكم عام في اليهود والنصارى؛ فإن دلائل صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كانت موجودة في التوراة والإنجيل.

السابقالتالي
2