الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

لما ذكر حال من يُعْرِض ويتولّى وصفهم في هذه الآيةِ بثلاثِ صفاتٍ:

الأولى قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ } لما ضمن هذا الموصول معنى الشرط دخلت الفاء في خبره وهو قوله: { فَبَشِّرْهُم } ، وهذا هو الصحيح، أعني أنه إذا نُسِخَ المبتدأ بـ " إنَّ " فجواز دخول الفاء باقٍ؛ لأن المعنى لم يتغير، بل ازداد تأكيداً، وخالف الأخفش، فمنع دخولها من نسخه بـ " إنَّ " والسماع حُجَّةٌ عليه كهذه الآية، وكقوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } الآية [البروج: 10]، وكذلك إذا نُسِخَ بـ " لَكِنَّ " كقوله: [الطويل]
1376- فَوَاللهِ مَا فَارَقْتُكُمْ عَنْ مَلاَلَةٍ   وَلَكِنَّ مَا يُقْضَى فَسَوْفَ يَكُونُ
وكذلك إذا نُسِخ بـ " أنَّ " - المفتوحة - كقوله:وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } [الأنفال: 41] أما إذا نُسِخ بـ " لَيْتَ " ، و " لَعَلَّ " و " كَأنَّ " امتنعت الفاءُ عند الجميع؛ لتغيُّرِ المعنى.

فصل

المراد بهؤلاء الكفارِ اليهودُ والنصارى.

فإن قيل: ظاهر هذه الآيةِ يقتضي كونَهم كافرين بجميع آيات الله - تعالى -، واليهود والنصارى، كانوا مقرِّين بالصانع وعلمِه وقدرته والمعادِ.

الجواب: أن تُصْرَفَ الآياتُ إلى المعهود السابق - وهو القرآن ومحمد - أو نحمله على العموم، ونقول: إن من كذب بنبوة محمد - عليه السلام - يلزمه أن يُكذب بجميع آيات الله تعالى.

الصفة الثانية: قوله: { وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } قرأ الحسن هذه والتي بعدها بالتشديد ومعناه: التكثير، وجاء - هنا - { بِغَيْرِ حَقٍّ } منكَّراً، وفي البقرةبِغَيْرِ الحَقِّ } [البقرة: 61] معرَّفاً قيل: لأن الجملة - هنا - أخرجت مخرَجَ الشرط - وهو عام لا يتخصَّص - فلذلك ناسبَ أن تذكر في سياق النفي؛ لتعمَّ.

وأما في البقرة فجاءت الآية في ناسٍ معهودين، مختصين بأعيانهم، وكان الحق الذي يُقْتَل به الإنسان معروفاً عندهم، فلم يقصد هذا العموم الذي هنا، فجِيء في كل مكان بما يناسبه.

فصل

" روى أبو عبيدة بنُ الجراح، قال: قلت: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ أشَدُّ عذاباً يَوْمَ القيامةِ؟ قال: رجل قتل نبيًّا، أو رجلاً أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقرأ هذه الآية، ثم قال: يا أبا عبيدة، قتلت بنو إسرائيل ثلاثةً وأربعين نبيًّا، من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة رجل، واثنا عشر رجلاً من عُبَّادِ بني إسرائيلَ، فأمَرُوا قَتَلَتَهُمْ بالمعروفِ، ونَهَوْهُمْ عن المنكر، فقُتِلوا جميعاً من آخرِ النَّهَارِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، فَهُم الَّذينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ تعالى ".

وأيضاً القوم قتلوا يحيى بن زكريا، وزعموا أنهم قتلوا عيسى ابن مريم.

فإن قيل: قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } في حكم المستقبل؛ لأنه كان وعيداً لمن كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقع منهم قتل الأنبياء، ولا الآمرين بالقسط، فكيف يَصِحُّ ذلك؟

فالجوابُ من وجهين:

أحدهما: أن هذه لما كانت طريقة أسلافِهم صحَّت الإضافة إليهم؛ إذْ كانوا مُصَوِّبِينَ لهم، راضين بطريقتهم، فإن صُنْعَ الأب قد يُضاف إلى الابن، إذا كان راضياً به.

السابقالتالي
2 3