الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قال ابنُ الخطيبِ: " ختم هذه السورة بهذه الآية المشتملة على جميع الآدابِ، وذلك لأن أحوال الإنسان قسمان: منها ما يتعلق به وحده، ومنها ما يكون مشتركاً بينه وبين غيره، أما القسم الأول فلا بُدَّ فيه من الصَّبْر، وأما القسم الثاني فلا بد فيه من المصابرة ".

قال الحسن: اصبروا على دينكم، فلا تدعوه لشِدَّةٍ لا رَخَاءٍ.

وقال قتادة: اصبروا على طاعةِ الله، وصابروا أهل الضلالة، ورابطوا في سبيل الله.

وقال الضحاكُ، ومقاتل بنُ سليمان: على أمر اللَّهِ. وقال مقاتلُ بن حيان: على فرائض الله. وقال زيد بن أسلم: على الجهاد. وقال الكلبيّ على البلاء.

واعلم أن الصبر يدخل تحته أنواع: الصبر على مشقّة النظر والاستدلال على الطاعات، وعلى الاحتراز عن المنهيَّات، وعلى شدائد الدُّنْيا من الفَقْر، والقحط والخوف، وأما المصابرة فهي تَحَمُّل المكاره الواقعة بينه وبيْنَ غيره، كتحَمُّل الأخلاق الردئيةِ من أهله وجيرانه وترك الانتقام كقوله تعالى:وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199] وإيثار الغير على نفسه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقوله: { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ } من الجناس اللفظي، وكذلك قوله:ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ } [التوبة: 38] " وصابروا " يعني الكفار، " ورابطوا " يعني المشركين.

قال أبو عبيدة: " أي: اثبتوا ودَاوِمُوا " والربطُ: الشد، وأصل المرابطة: أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم بحيث يكون كل من الخصمين مستعداً لقتال الآخرِ ثم قيل لكل مقيم في ثَغْرٍ يدفع عَمَّنْ وراءه: مرابط، وإن لم يكن له مركوبٌ مربوطٌ.

قال - عليه السلام -: " رِباط يَوْم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وما عليها، وموضع سَوْطِ أحَدِكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها ".

{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } قال بعضهم: اصبروا على النَّعْماء، وصابروا على البأساء والضراء، ورابطوا في دار الأعداء، واتقوا إله الأرض والسماء، لعلكم تفلحون في دار البقاء.

وقيل: المرابطة: انتظار الصلاة بعد الصلاة لما روى أبو سلمةَ بن عبد الرحمن، قال: لم يكن في زمنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه، وإنما نزلت هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة. واحتج أبو سلمة بقوله صلى الله عليه وسلم: " ألاَ أدلُّكم عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، ويَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرةُ الْخُطَا إلى المَسَاجِدِ، وانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ ثُمَّ قَالَ: فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ " ثلاث مراتٍ - وقيل الرباط: اللزوم والثبات، وهذا المعنى يعم ما تقدم.

روى ابنُ عباسِ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قرأ السُّورَةَ الَّتِي يُذكر فِيهَا آل عِمْرانَ يَومَ الْجُمُعَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلاَئِكَتهُ حَتَّى تُحْجَب الشَّمس ".


السابقالتالي
2