الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

وهذه الآية زيادة في تَسْلية الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه بَيَّن له أنّ الكفار بعد أن آذَوُا الرسولَ صلى الله عليه وسلم والمسلمين يومَ أحُدٍ، فسيؤذونهم - أيضاً - في المستقبل في النفسِ والمالِ.

والمرادُ منه أن يُوَطِّنوا أنفسَهم على الصْبر؛ فإن العالم بنزول البلاء عليه لا يعظم وَقْعه في قَلْبِهِ بخلاف غيرِ العالم فإنه يعظم عنده ويَشُقُّ عَلَيْهِ.

قوله: { لَتُبْلَوُنَّ } هذا جوابُ قَسَم محذوف، تقديره: والله لَتُبْلَوُنَّ، وهذه الواو هي واو الضمير، والواو التي هي لام الكلمة حُذِفَتْ لأمر تصريفيِّ، وذلك أن أصله: لَتُبْلَوُّنَنَّ، فالنون الأولى للرفع، حُذِفَتْ لأجل نونِ التوكيد، وتحرَّكَت الواوُ [الأولى] - التي هي لامُ الكلمةِ - وانفتح ما قبلَهَا فقُلِبَتْ ألفاً، فالتقى ساكنان - الألف وواو الضمير - فحُذِفَتْ الألف؛ لئلا يلتقيا، وضُمَّتْ الواو؛ دلالةً على المحذوف.

وإنْ شئت قلتَ: استُثْقِلَتْ الضمةُ على الواو الأولى، فحُذِفَت، فالتقى ساكنان، فحُذِفَتْ الواوُ الأولى وحُرِّكت الثانيةُ بحركة مجانسةٍ، دلالةً على المحذوف. ولا يجوز قَلْبُ مثل هذه الواوِ همزةً؛ [لأن حركتها عارضةٌ] ولذلك لم [تُقلَب] ألِفاً، وإن تحرَّكَتْ وانفتح ما قبلَها.

ويقال للواحدِ من المذكَّر: لتُبْلَوَنَّ يا رجلُ وللاثنين: لتبليانِّ يا رجلانِ، ولجماعة الرجال: لتبلوُنَّ. وأصل " لَتسْمعنَّ ": لَتَسْمَعُونَنَّ، ففعل فيه ما تقدم، إلا أن هنا حُذِفَتْ واوُ الضمير؛ لأن قَبْلَهَا حَرْفاً صحيحاً.

فصل في المراد بالابتلاء

معنى الابتلاء: الاختبار وطلب المعرفةِ، ومعناه في وَصْف الله تعالى به معاملةُ العبد معاملةَ المختبر، واختلفوا في هذا الابتلاء، فقيل: المراد ما نالهم من الشدة والفَقْرِ والقتل والجرح من الكفار، ومن حيثُ أُلزموا الصبر في الجهاد.

وقيل: الابتلاء في الأموال بالمصائب، وبالإنفاق في سبيل اللَّهِ وسائر تكاليف الشَّرْع، والابتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفَقْد الأحْباب. وبدأ بذكر الأموال لكثرة المصائب بها.

وقال الحسنُ: التكاليفُ الشديدَةُ المتعلقة بالدينِ والمالِ، كالصلاة والزكاة والجهاد.

وقال القاضي: والظاهرُ يحتمل الكُلَّ.

قوله: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } المرادُ منه أنواع الأذى الحاصلة من اليهود والنصارَى والمشركين للمسلمين، وذلك أنهم كانوا يقولون:عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [التوبة: 30] وٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [التوبة: 30] و " ثالث ثلاثة " وكانوا يطعنون في الرسول بكل ما يقدرون عليه، وهجاه كعبُ بن الأشرفِ، وكانوا يُحَرِّضون النَاس على مخالفة الرسول، ويجمعون الناس لمحاربته، ويُثَبّطون المسلمين عن نُصْرَتِه، ثم قال: { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }.

قال المفسّرونَ: " بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى فنحاص اليهوديِّ، يستمده، فقال فنحاصٌ: قد احتاج ربكم إلى أن نمده فَهَمَّ أبو بكر أن يَضْرِبَه بالسيف، وكان صلى الله عليه وسلم قال له - حين أرسله -: لا تغلبن على شيء حتى ترجع إليَّ، فتذكَّر أبو بكر ذلك، وكفَّ عن الضرب "

السابقالتالي
2