الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ }

والمرادُ بهذه الآية - زيادة تأكيد التسليةِ والمبالغةِ في إزالة الحُزْنِ عن قلبه؛ لأن مَنْ علم أن عاقبته الموت زالت عن قلبه الغموم والأحزان، ولأن بعد هذه الدار داراً يتميز فيها المُحْسِن من المُسِيء، [والمُحِقُّ من المُبْطِل].

قوله: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } مبتدأ وخبر، وسوَّغَ الابتداء بالنكرة العموم والإضافة.

والجمهور على " ذَائِقَةٌ المَوْتِ " - بخَفْض " الْمَوْتِ " - بالإضافة، وهي إضافة غير محضة؛ لأنها في نية الانفصالِ.

وقرأ اليزيديُّ " ذَائِقةٌ الْمَوْتَ " بالتنوين والنَّصْب في " الْمَوْتِ " على الأصل.

وقرأ الأعمشُ بعدم التنوين ونَصْب " الْمَوْت " وذلك على حَذْف التنوين؛ لالتقاء الساكنين وإرادته وهو كقول الشاعرِ: [المتقارب]
1704- فأَلْقَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتَبٍ   وَلاَ ذَاكِرَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلا
- بنصب الجلالة - وقراءة مَنْ قرأقُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ } [الإخلاص: 1، 2] - بحذف التنوين من " أحَدٌ " لالتقاء الساكنين.

[ونقل] أبو البقاء - فيها - قراءةً غريبةً، وتخريجاً غريباً، قال: وتقرأ شاذاً - أيضاً - ذَائِقُهُ الْمَوْتُ على جعل الهاء ضمير " كل " على اللفظ، وهو مبتدأ وخبرٌ، وإذا صحت هذه قراءةً فتكون " كل " مبتدأ، و " ذَائِقُهُ " خبر مقدَّم، و " الْمَوْتُ " مبتدأ مؤخرٌ، والجملة خبر " كُلّ " وأضيف " ذائق " إلى ضمير " كل " باعتبار لفظها، ويكون هذا من باب القلب في الكلام؛ لأن النفس هي التي تذوق الموت وليس الموت يذوقها، وهنا جعل الموت هو الذي يذوق النفس، قَلْباً للكلامِ؛ لفهم المعنى، كقولهم: عَرَضْتُ الناقة على الحوض، ومنه قوله:وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ } [الأحقاف: 34] وقولك: أدخلت القلنسوة في رأسي.

وقول الشَّاعرِ: [البسيط]
1705- مِثْلُ القَنَافِذِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ   نَجْرَانَ، أوْ بَلَغَتْ سَوْآتِهِمْ هَجَرُ
الأصل: عرضت الحوض على الناقة، ويوم تُعْرَض النار على الذين كفروا، وأدخلت رأسي في القلنسوة، وبلغت سوآتهم هَجَرَ، فقلبت. وسيأتي خلافُ النّاسِ في القلب في موضعه إن شاء الله - تعالى -.

وكان أبو البقاء قد قَدَّم قبل هذا التأنيث في " ذائقة " إنما هو باعتبار معنى " كلٍّ " قال: " لأن كل نفس نفوس، فلو ذكر على لفظ " كل " جاز، يعني أنه لو قيل: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ } جاز، وقد تَقَدَّمَ أول البقرة أنه يجب [اعتبار] لفظ ما يُضافُ إليه إذا كان نكرة ولا يجوز أن يعتبر " كل " وتحقيق هذه المسألةِ هناك.

فصل

قال ابنُ الخطيبِ: هذه الآية من تمام التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم إما بأن غموم الدنيا يقطعها الموتُ، وما كان كذلك لا ينبغي للعاقل أن يَلْتَفِتَ إليه.

السابقالتالي
2 3