الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

اللام في " ليذر " تُسمَّى لامَ الجحودِ، ويُنْصَب بعدها المضارع بإضمار " أن " ولا يجوز إظهارها. والفرق بينها لام " كي " أن هذه - على المشهور - شرطها أن تكون بعد كون منفي، ومنهم من يشترط مضي الكونِ، ومنهم من لم يشترط الكون.

وفي خبر " كان " - هنا - وما أشبهه قولان:

أحدهما: قولُ البصريينَ - أنه محذوفٌ، وأن اللامَ مقوية لتعدية ذلك الخبرِ المقدَّر لِضَعْفه، والتقدير: ما كان اللَّهُ مُريداً لأن يَذَر، و " أن يذر " هو مفعول " مريداً " والتقديرُ: ما كان اللَّهُ مُريداً ترك المؤمنين.

الثاني: - قول الكوفيين - أن اللامَ زائدةٌ لتأكيدِ النفي، وأن الفعل بعدها هو خبرُ كانَ واللامُ عندهم هي العاملةُ النصْبَ في الفعل بنفسها، لا بإضمار " أن " والتقدير عندهم: ما كان الله ليذرَ المؤمنين.

وضعَّف أبو البقاء مذهبَ الكوفيين بأنّ النصب قد وُجِد بعد هذه اللامِ، فإن كان النصبُ بها نفسها فليست زائدةً، وإن كانَ النصبُ بإضمار " أن " فسَد من جهة المعنى لأن " أن " وما في حيزها بتأويل مصدر، والخبر في باب " كان " هو الاسم في المعنى، فيلزم أن يكون المصدر - الذي هو معنى من المعاني - صادقاً على اسمها، وهو مُحَالٌ.

وجوابه: أما قوله: إن كان النصبُ بها فليست زائدةً ممنوع؛ لأن العملَ لا يمنع الزيادةَ، ألا ترى أنَّ حروف الجَرِّ تُزاد، وهي عاملة وكذلك " أن " عند الأخفشِ، و " كان " في قول الشاعر: [الوافر]
1700-.........................   وَجِيرَان لَنَا كَانُوا كِرَام
كما تقدم تحقيقه و " يذر " فعل لا يتصرف - كَيَدَعُ - استغناء عنه بتصرُّف [مرادفه] - وحُذِفت الواو من " يذر " من غير موجب تصريفي، وإنما حُمِلَت على " يدع " لأنها بمعناها، و " يدع " حُذِفت منه الواوُ لموجب، وهو وقوع الواو بين ياءٍ وكسرةٍ مقدرة وأما الواو في " يذر " فوقعت بين ياء وفتحةٍ أصليةٍ. وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى:وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا } [البقرة: 278].

فصل

وجه النظم: أن هذه الآية من بقية أحُد، فأخبر - تعالى - أن الأحوالَ التي وقعتْ في تلك الحادثةِ - من القتل والهزيمة، ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج إلى العدو مع ما كان بهم من الجراحاتِ، ثم دعاهم مرة أخْرَى إلى بدرٍ الصُّغْرَى، لموعد أبي سفيانَ - دليلٌ على امتيازِ المؤمنين من المنافقين، فأخبر - تعالى - بأنه لا يجوزُ - في حكمته - أن يترككم على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم، وإظهارهم أنهم منكم - بل يجب في حكمته أن يُمَيِّز الخبيث - وهو المنافق - من الطيب - وهو المؤمن -.

السابقالتالي
2 3 4