الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

اعلم أنه لا يبعد حَمْلُ الآية الأولى على المرتدين، وحمل هذه الآية على اليهود. ومعنى: { ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } أنهم كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به قبل مَبْعَثِه، فلما بُعِثَ كفروا به، وتركوا ما كانوا عليه، فكأنهم أعطوا الإيمان، وأخذوا الكفر بدلاً عنه، كما يفعلُ المشتري من إعطاء شيء وأخْذ غيره بدلاً عنه.

ولا يبعد أيضاً - حَمْلُ هذه الآيةِ على المنافقينَ؛ لأنهم متى كانوا مع المؤمنين أظهروا الإيمان، فإذا خلوا إلى شياطينهم كفروا، وتركوا الإيمان، فكان ذلك كأنهم اشتروا الكفر بالإيمان.

فإن قيل: ما فائدة التكرار في الآيتين في قوله: { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً }؟

فالجوابُ: أن فائدةَ التكرارِ أمورٌ:

أحدهما: أن الذين اشتروا الكفرَ بالإيمانِ لا شك أنهم كانوا كافرين أولاً، ثم آمنوا، ثم كفروا بعد ذلك، وهذا يدلُّ على شدَّة الاضطرابِ، وضَعْفِ الرأي، وقِلَّةِ الثباتِ، ومثل هذا الإنسان لا خوف منه، ولا هيبةَ له، ولا قدرةَ له على إلحاق الضَّرَر بالغير.

ثانيها: أن أمر [الدّينِ] أهمّ الأمورِ وأعظمها، ومثل هذا مما لا يقدم الإنسان فيه - على الفعل، أو على التَّركِ - إلا بعد إمعانٍ النّظَرِ، وكَثْرة الفِكْر، وهؤلاء يُقْدِمون على الفعل، أو على الترك في هذا المهم بأهونِ الأسبابِ وأضعفِ الموجباتِ، وهذا يدلُّ على قِلَّةِ عقولهم، وشدة حماقتهم، وأمثال هؤلاء لا يَلْتَفِتُ العاقلُ إليهم.

ثالثها: أن أكثرهم إنما ينازعونك في الدّينِ لا بِنَاءً على الشُّبُهات، بل بناءً على الحَسَدِ والمنازعة في منصب الدُّنْيَا، ومَنْ كان عَقْلَه بهذا القَدْر - وهو بيع السعادة العظيمة الأخروية بالقليل الفاني من سعادة الدنيا - كان في غاية الحماقة، ومِثْلهُ لا يقدر على إلحاق ضرر بالغير، والله أعلم.