الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

لما بَيَّنَ - تعالى - أنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم، بيَّن - هنا - أنهم يستبشرون لأنفسهم بما رُزِقوا من النعيم، ولذلك أعاد لفظَ لاستبشارِ.

فإن قيلَ: أليس الذي ذكر فَرَحَهم بأحوالِ أنفسهم - والفرحُ عينُ الاستبشارِ - فلزم التكرارُ؟ فالجوابُ من وجهين:

أحدهما: أن الاستبشارَ هو الفرحُ التامُّ، فلا يلزم التكرارُ.

الثاني: لَعَلَّ المرادَ حصولُ الفرحِ بما حصل في الحالِ، وحصولُ الاستبشارِ بما عرفوا أنّ النعمةَ العظيمةَ تحصل لهم في الآخرةِ.

فإن قيلَ: ما الفرقُ بين النعمةِ والفَضْلِ، فإنَّ العطفَ يقتضي المغايرةَ؟

فالجواب: أن النعمةَ هي الثواب، والفَضْل: هو التفضُّل الزائد.

وقيل: النعمة: المغفرة، والفَضْل: الثواب الزائد.

وقيل: للتأكيد.

روى الترمذيّ عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لِلشَّهِيْدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خَصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ، ويَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُجارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيأمَنُ الْفَزَعَ الأكْبَرَ، وَيُوضَعٌُ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الْوقارِ، الْيَاقُوَتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ويُزَوَّج اثنينِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أقارِبِه " قال: هذا حديثٌ حَسَنٌ، صحيحٌ، غريبٌ، وهذا تفسيرُ النعمةِ والفضلِ، وهذا في الترمذيِّ وابن ماجه ستٌّ، وهي في العدد سبعةٌ.

فصل

وهذه الآية تدلُّ على أنّ الإنسانَ يكون فَرحُهُ واستبشارُهُ - بصلاحِ حالِ إخوانِهِ - أتم من استبشاره بسَعَادةِ نَفْسِهِ، لأنهُ - تعالى - مدَحَهم على ذلك بكونهم أوَّلَ ما استبشروا فرحوا بإخوانهم، ثم ذكر - بعده - استبشارهم بأنفسهم، فقال: { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ }.

قوله: { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ } قرأ الكِسائيُّ بِكَسْرِ " أن " على الاستئنافِ.

وقال الزمخشري: إن قراءة الكسرِ اعتراضٌ.

واستشكلَ كونها اعتراضاً؛ لأنها لم تقع بين شيئين متلازمين.

ويمكن أن يُجاب عنه بأن " الذين استجابوا " يجوز أن يكون تابعاً لـ " الذين لم يلحقوا " - نعتاً، أو بدلاً، على ما سيأتي - فعلى هذا لا يتصور الاعتراض.

ويؤيدُ كونها للاستئناف قراءةُ عبد الله ومصحفُه: والله لا يضيع، وقرأ باقي السبعةِ بالفتحِ؛ عَطْفاً على قوله: " بنعمة " لأنها بتأويل مصدر، أي: يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضل منه وعدم إضاعةِ الله أجْرَ المؤمنين.

فإن قيل: لم قال: " يستبشرون " من غير عطف؟

فالجوابُ فيه أوجهٌ:

أحدها: أنه استئنافٌ متعلِّقٌ بهم أنفسهم، دون { الذين لم يلحقوا بهم } لاختلافِ متعلِّقٍ البشارتين.

الثاني: أنه تأكيدٌ للأولِ؛ لأنه قصد بالنعمة والفضل بيانَ مُتَعَلِّقِ الاستبشارِ الأولِ، وإليهِ ذَهَبَ الزمخشري.

الثالثُ: انه بدلٌ من الفعل الأول، ومعنى كونه بدلاً: أنه لما كان متعلقه بياناً لمتعلق الأول حَسُن أن يقال: بدل منه، وإلا فكيف يبدل فعلٌ من فعل موافقٍ له لفظاً ومعنًى؟ وهذا في المعنى يئول إلى وجه التأكيد.

السابقالتالي
2 3 4