الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } * { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

" الذين " مفعول أول، و " أمواتاً " مفعول ثانٍ، والفاعلُ إما ضمير كل مخاطب، أو ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم في نظائره وقرأ حُمَيْد بن قَيْس وهشام - بخلاف عنه - " يحسبن " بياء الغيبة، وفي الفاعل وجهان:

أحدهما: أنه مُضْمَر، إما ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم أو ضمير مَنْ يَصْلح للحسبان - أي: حاسب.

الثاني: قاله الزمخشري: وهو أن يكون " الذين قتلوا " قال: ويجوز أن يكون " الذين قتلوا " فاعلاً والتقديرُ: ولا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتاً، أي: ولا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتاً.

فإن قلت: كيف جاز حذف المفعول الأول؟ قلتُ: هو - في الأصلِ - مبتدأ، فحذف كما حذف المبتدأ في قوله: " بل أحياء " أي: هم أحياءٌ؛ لدلالة الكلام عليهما.

وردَّ عليه أبو حيان بأن هذا التقديرَ يؤدي إلى تقديم الضمير على مفسره، وذلك لا يجوز إلا في أبواب محصورةٍ، وعَدَّ منه باب رُبُّهُ رَجُلاً، نعم رجلاً زيد، والتنازع عند إعمال الثاني في رأيه سيبويه، والبدل على خلاف فيه، وضمير الأمرِ، قال: " وزاد بعضُ أصحابِنَا أن يكون المُفَسِّرُ خبراً للضمير " وبأن حذف أحد مفعولي " ظن " اختصاراً إنما يتمشى له عند الجمهور مع أنه قليل جِداً، نص عليه الفارسيُّ، ومنعه ابنُ ملكون ألبتة.

قال شهابُ الدينِ: وهذا من تحملاته عليه، أما قوله: يؤدي إلى تقديم المضمر... إلى آخره، فالزمخشريُّ لم يقدره صناعةً، بل إيراداً للمعنى المقصود، ولذلك لَمّا أراد أن يقدر الصناعة النحوية قدَّره بلفظ " أنفسهم " المنصوبة وهي المفعول الأول، وأظن الشيخ يتوهم أنها مرفوعة، تأكيداً للضمير في " قتلوا " ولم يتنبه أنه إنما قدرها مفعولاً أول منصوبة، وأما تَمْشِية قوله على مذهب الجمهور فيكفيه ذلك وما عليه من ابن ملكون، وستأتي مواضعُ يضطر هو وغيره إلى حَذْف أحدِ المفعولينِ، كما ستقف عليه قريباً.

وتقدم الكلامُ على مادة " حسب " ولغاتها، وقراءاتها، وقُرِئَ " تحسبن " - بفتح السين - قاله الزمخشريُّ وقرأ ابن عامر " قتّلوا " - بالتشديد - وهشام وحده في " ما ماتوا وما قتلوا " والباقون بالتخفيف، فالتشديد للتكثير، والتخفيفُ صالح لذلك، وقرأ الجمهورُ " أحياءٌ " رفعاً، على تقدير: بل هُمْ أحياءٌ، وقرأ ابنُ ابي عَبْلَة " أحياءً " وخرَّجها أبو البقاء على وجهين:

أحدهما: أن يكون عطفاً على " أمواتاً " قال: " كما تقول: ما ظننت زيداً قائماً بل قاعداً ".

الثاني: - وإليه ذهب الزمخشري - أيضاً - أن يكون بإضمار فعل، تقديره: بَلِ احسبهم أحياءً، وهذا الوجهُ سبق إليه أبو إسحاق، الزجاجِ، إلا أن الفارسيَّ ردَّه عليه - في الإغفال - وقال، لأن الأمر يقينٌ، فلا يجوز أن يؤمر فيه بمحسبة، ولا يصح أن يُضمرَ فيه إلا فعلُ المحسبة، فوجه قراءة ابن أبي عبلة أن يضمر فعلاً غير المحسبة، اعتقدهم، أو اجعلهم، وذلك ضعيفٌ؛ إذ لا دَلاَلَةَ في الكلامِ على ما يُضْمَر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6