جوَّزوا في موضع " الذين " الألقاب الثلاثة: الرفع والنصب والجر، فالرفعُ من ثلاثةِ أوجهٍ: أحدها: أن يكون مرفوعاً على خبر مبتدأ محذوفٍ، تقديره: هم الذين. ثانيها: أنه بدل من واو " يكتمون ". ثالثها: أنه مبتدأ، والخبر قوله: " قل فادْرءوا " ولا بُدَّ من حذف عائدٍ، تقديره: قُلْ لَهُمْ. والنصبُ من ثلاثة أوجه - أيضاً -: أحدها: النصبُ على الذَّم، أي: أذم الذين قالوا. ثانيها: أنه بدل من " الذين نافقوا ". ثالثها: أنه صفة. والجر من وجهينِ: البدل من الضمير في " بأفواهم " أو من الضمير في " قلوبهم " كقول الفرزدق: [الطويل]
بجر " حاتم " على أنه بدل من الهاء في " جوده " - وقد تقدم الخلافُ في هذه المسألةِ وقال أبو حيان: وجوَّزوا في إعراب " الذين " وُجُوهاً: الرفع، على النعت لـ " الذين نافقوا " أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف والنصب... فذكره إلى آخره. قال شهابُ الدينِ: وهذا عجيبٌ منه؛ لأنَّ " الذين نافقوا " منصوب بقوله: " وليعلم " وهم - في الحقيقة - عطف على " المؤمنين " وإنَّمَا كرر العاملَ توكيداً، والشيخُ لا يخفَى عليه ما هو أشكلُ من هذا فيحتمل أن يكون تبع غيرَه في هذا السهو - وهو الظاهر من كلامه - ولم ينظر في الآية، اتكالاً على ما رآه منقولاً، وكثيراً ما يقع الناس فيه، وأن يُعْتَقَدَ أنّ " الذين " فاعل بقوله: " وليعلم " أي: فعل الله ذلك ليعلم هو المؤمنين، وليعلم المنافقون، ولكن مثل هذا لا ينبغي أن يجوز ألبتة. قوله: " وقعدوا " يجوز في هذه الجملة وجهانِ: أحدهما: أن تكون حالية من فاعل " قالوا " و " قد " مرادة أي: وقد قعدوا، ومجيء الماضي حالاً بالواو و " قد " أو بأحدهما، أو بدونهما، ثابتٌ من لسان العربِ. الثاني: أنها معطوفة على الصلة، فتكون معترضة بين " قالوا " ومعمولها، وهو " لو أطاعونا ". فصل في المراد بـ " الذين " قال المفسّرون المراد بـ " الذين " عبدُ بنُ أبَيٍّ وأصحابُهُ. وقال الأصَم: هذا لا يجوزُ؛ لأن عبد الله بن أبي خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجهادِ يوم أحُدٍ، وهذا القول واقع ممن تخلَّف، لأنه قال: { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا } أي في القعود " ما قتلوا " فهو كلامُ متأخرٍ عن الجهاد قاله لمن خرج إلى الجهادِ ولمن هو قوي النية في ذلك؛ ليجعله شُبْهَةً فيما بعد، صارفاً لهم عن الجهاد.