الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

الهمزة للإنكار، وجعلها ابنُ عطية للتقرير، والواو عاطفة، والنية بها التقديم على الهمزة.

وقال الزمخشري: و " لما " نصب بـ " قلتم " و " أصابتكم " في محل الجر، بإضافة " لما " إليه، وتقديره: أقلتم حين أصابتكم. و " أنى هذا " نصب؛ لأنه مقول، والهمزة للتقرير والتقريع.

فإن قلتَ: علامَ عطفت الواو هذه الجملة؟ قلتُ: على ما مضى من قصة أحُد - من قوله:وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } [آل عمران:152] - ويجوز أن تكونَ معطوفة على محذوف، [كأنه قيل]: أفعلتم كذا، وقلتم حينئذ كذا؟ انتهى.

أمّا جعله " لما " بمعنى " حين " - أي ظرفاً - فهو مذهب الفارسيِّ وقد تقدم تقرير المذهبين وأما قوله: " عطف على قصة أحد " فهذا غير مذهبه، لأن الجاري من مذهبه إنما هو تقديرُ جملة، يعطف ما بعد الواو عليها - أو الفاء، أو " ثم " - كما قرره هو في الوجه الثاني.

و " أنى هذا " " أنى " بمعنى من أين - كما تقدم في قوله:أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } [آل عمران: 37] - ويدل عليه قوله: { مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } وقوله: { مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ } قاله الزمخشري.

ورد عيله أبو حيّان بأن الظرف إذا وقع خبراً للمبتدأ لا يقدَّر داخلاً عليه حرف جر، غير " في ". أما أن يقدر داخلاً عليه " من " فلا؛ لأنه إنما انتصب على إسقاط " في " ولذلك إذا أضمِر الظرف تعدى إليه الفعل بواسطة " في " إلا أن يتسع في الفعل فينصبه نصب التشبيه بالمفعول به، فتقدير الزمخشريِّ غيرُ سائغٍ، واستدلاله بقوله تعالى: { مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } وقوله:مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ } [آل عمران:37] وقوف مع مطابقة الجواب للسؤال في اللفظ، وذهول عن هذه القاعدة التي ذكرناها.

واختار أبو حيان أن " أنى " بمعنى " كيف " قال: و " أنى " سؤالٌ عن الحال - هنا - ولا يناسب أن يكون - هنا - بمعنى " أين " أو " متى " لأن الاستفهام لم يقع عن المكان، ولا عن الزمان، إنما وقع عن الحال التي اقتضت لهم ذلك، سألوا عنها على سبيل التعجُّب - وجاء الجواب من حيث المعنى لا من حيثُ اللفظ - في قوله: { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } - والسؤال بـ " أنى " سؤال عن تعيين كيفية حصول هذا الأمرِ، والجواب بقوله: { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } يتضمن تعيين الكيفية؛ لأنه بتعيين السبب تتعين الكيفيةُ من حيثُ المعنى لو قيل - على سبيل التعجُّبِ والإنكارِ -: كيف لا يحج زيد الصَّالحُ؟ وأجيب ذلك بأن يقال: لعدم استطاعته، لحصل الجوابُ، وانتظم من المعنى أنه لا يحج وهو غير مستطيعٍ.

السابقالتالي
2 3