{ لقد من الله } جوابٌ لقسم محذوفٌ، وقُرِئ: لَمِنْ مَنَّ الله - بـ " من " الجارة، و " منِّ " - بالتشديد مجرورها - وخرَّجه الزمخشريُّ على وجهينِ: أحدهما: أن يكون هذا الجارُّ خبراً مقدماً والمبتدأ محذوفٌ، تقديره: لمن من الله على المؤمنين مَنُّهُ، أو بعثه إذ بَعَثَ فيهم، فحذف لقيامِ الدَّلالةِ. الثاني: أنه جعل المبتدأ نفس " إذ " بمعنى: وقتٍ: وخبرها الجارُّ قبلها، وتقديره: لمن من الله على المؤمنين وقت بَعْثِهِ، ونظره بقولهم: أخطب ما يكون الأميرُ إذا كان قائماً. وهذان وجهانِ - في هذه القراءة - مما يدلان على رسوخ قدمِهِ في هذا العلمِ. قال شهابُ الدينِ: إلا أن أبا حيان قد ردَّ عليه الوجه الثاني بأن " إذْ " غيرُ متصرفةٍ، لا تكون إلا ظرفاً، أو مضافاً إليها اسم زمان أو مفعولة بـ " اذكر " - على قول - ونقل قول أبي علي - فيها وفي " إذا " أنهما لم يردا في كلام العربِ إلا ظرفين، ولا يكونان فاعلين، ولا مفعولين، ولا مبتدأين. قال: ولا يحفظ من كلامهم: إذْ قام زيد طويل - يريد: وقت قيامه طويل - وبأن تنظيره القراءة بقولهم: أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائماً، خطأ؛ من حيث أن المشبه مبتدأ، والمشبهُ به ظرف في موضعِ الخبرِ - عند من يُعْرِب هذا الإعرابَ - ومن حيثُ إنَّ هذا الخبرَ - الذي قد أبرزه ظاهراً - واجب الحذف؛ لسَدِّ الحال مَسَدَّه، نص عليه النحويونَ الذين يعربونه هكذا، فكيف يبرزه في اللفظ؟ قال شهابُ الدين: " وجواب هذا الردِّ واضحٌ وليت أبا القاسم لم يذكر تخريج هذه القراءة؛ لكي نسمع ما يقول هو ". والجمهورُ على ضم الفاء - من أنفسهم - أي: من جملتهم وجنسهم، وقرأت عائشةُ، وفاطمة والضّحّاكُ، ورواها أنس عنه صلى الله عليه وسلم بفتح الفاء، من النفاسة - وهي الشرف - أي: من أشرفهم نسباً, وخَلْقاً، وخُلُقاً. وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنا أنفسكم نسباً، وحسباً، وصهراً " وهذا الجارُّ يحتمل وجهين: الأول: أن يتعلق بنفس " بعث ". الثاني: أن يتعلق بمحذوف، على أنه وصف لـ " رسولاً " فيكون منصوب المحل، ويقوي هذا الوجه قراءة فتح الفاء. فصل في المراد بـ " أنفسهم " قيل: أراد به العرب؛ لأنه ليس حَيّ من أحياء العرب إلا وقد ولد صلى الله عليه وسلم ولد فيهم نسب، إلا بني تغلب، لقوله تعالى:{ هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [الجمعة: 2]. وقال آخرون: أراد به جميع المؤمنين.