{ أَنْ يَغُلَّ } في محل رفع، اسم كان و " لنبيّ " خبرٌ مقدَّمٌ، أي: ما كان له غلول أو إغلال على حسب القراءتينِ. وقرأ ابنُ كثيرٍ، وأبو عمرو، وعاصم، بفتح الياء وضم الغين - من غل - مبنياً للفاعل، ومعناه: أنه لا يصح أن يقع من النبي غلول؛ لتنافيهما، فلا يجوز أن يتوهَّمَ ذلك فيه ألبتة. وقرأ الباقون " يُغَلَّ " مبنياً للمفعول، وهذه القراءة فيها احتمالانِ: أحدهما: أن يكون من " غَلَّ " ثلاثياً، والمعنى: ما صح لنبيٍّ أن يخونه غيره ويَغُلَّهُ، فهو نفيٌ في معنى النهي، أي: لا يَغُلَّهُ أحدٌ. ثانيهما: أن يكون من " أغَلَّ " رباعياً، وفيها وجهانِ: أحدهما: أن يكون من " أغَلَّهُ " أي: نسبه إلى الغُلُولِ، كقولهم: أكذبته - إذا نسبته إلى الكذب - وهذا في المعنى كالذي قبله، أي: نفي في معنى النهي، أي: لا يَنْسبه أحدٌ إلى الغلولِ. قال ابن قتيبة: ولو كان المرادُ هذا المعنى لقيل: يُغَلَّلُ كما يقال: يُفَسَّق، ويُخَوَّن، ويُفَجَّر، والأولى أن يقال: إنه من " أغللته " أي: وجدته غالاً، كما يقال: " أبخَلْتُهُ ". الثاني: أن يكون من " أغلَّهُ " أي: وَجَدهُ غالاًّ، كقولهم: أحْمدتُّ الرَّجُلَ وأبخَلْتُهُ، أي: وجَدتهُ محموداً وبخيلاً. والظاهر أن قراءة " يَغُلَّ " بالبناء للفاعل - لا يُقَدَّر فيها مفعول محذوف؛ لأن الغرض نفي هذه الصفةِ عن النبيِّ من غير نظر إلى تعلق بمفعول، كقولك: وهو يُعْطِي ويمنع - تريد إثبات هاتين الصفتين، وقدر له أبو البقاء مفعولاً، فقال: تقديره أن يغل المال أو الغنيمة. واختار أبو عبيدة والفارسي قراءة البناء للفاعل قالا: لأن الفعل الوارد بعد " ما كان لكذا أن يفعل " أكثر ما يجيء منسوباً إلى الفاعل نحو:{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ } [آل عمران: 145]،{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ } [آل عمران: 179] و{ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ } [يوسف: 38]{ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ } [يوسف: 76]{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً } [التوبة: 115]{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } [آل عمران: 179] ويقال: ما كان ليضرب، فوجب إلحاق هذه الآية بالأعم الأغلب ويأكده ما حكى أبو عبيدة عن يونس أنه كان يختار هذه القراءة، وقال: ليس في الكلام ما كان لكَ أن تُقرب - بضم التاء، وأيضاً فهذه القرءة اختيار ابن عباسٍ، فقيل له: إن ابن مسعودٍ يقرأ: يُغل فقال ابنُ عباس: كان النبيُّ يقصدون قتله فكيف لا ينسبونه إلى الخيانة. قال شهاب الدين: ورجحها بعضهم بقوله: { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ } فهذا يوافق هذه القراءة. ولا حجة في ذلك؛ لأنها موافقة للأخرى. و " الغلول " في الأصل تدرع الخيانة وتوسطها و " الغلل " تَدْرُّع الشيء وتوسطه، ومنه " الغلل " للماء الجاري بين الشجر.