الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ }

وجه النظم أن المنافقين كانوا يعيِّرون المؤمنين في الجهاد مع الكفار، بقولهم: { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } ثم إنه ظهر عند بعض المؤمنين فتورٌ وفشلٌ في الجهاد، حتى وقع يومَ أحُدٍ ما وقع، وعفا اللَّهُ بفضله عنهم، فنهاهم في هذه الآية عن القول بمثل مقالة المنافقين، لمن يريد الخروج إلى الجهادِ، فقال: لا تقولوا - لمن يريد الخروجَ إلى الجهاد -: لو لم تخرجوا لما متم، وما قُتِلْتم، فإن الله هو المُحْيي والمميت، فمن قُدِّر له البقاءُ لم يُقْتَل في الجهاد، ومن قُدِّر له الموتُ مات وإن لم يجاهد، وهو المراد بقوله: { وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ }.

وأيضاً فالذي يُقْتَل في الجهاد، لو لم يخرج إلى الجهاد، لكان يموت لا محالة، فإذا كان لا بد من الموت فلأن يُقْتَلَ في الجهاد - حتى يستوجب الثوابَ العظيمَ - خيرٌ له من أي يموت من غير فائدة، وهو المرادُ بقوله: { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }.

واختلفوا في { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فقيل: هل هو كافر يقول هكذا.

وقيل: إنه مخصوصٌ بالمنافقين؛ لأن هذه الآيات في شرح أحوالهم.

وقيل: مختصة بعبد الله بن أبيّ ابن سلول ومعتب بن قُشَير، وسائر أصحابهما.

قوله: { لإِخْوَانِهِمْ } قال الزمخشريُّ: " لأجل إخوانكم ". وهذا يدل على أن أولئك الإخوان كانوا مَيِّتين عند هذا القول ويُحْتمل أن يكونَ المراد منه الأخوة في النسب، كقوله تعالى:وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } [الأعراف: 65] ويكون المقتولون من المسلمين كانوا من أقارب المنافقين، فقال المنافقون هذا الكلام ويحتمل أن يكون المرادُ: الأخوة في الدين، فقال المنافقونَ هذا الكلام، بعد أن قُتِلَ بعضهم في بعض الغزوات.

قوله: { إِذَا ضَرَبُواْ } " إذا " ظرف مستقبل، فلذلك اضطربت أقوالُ المعربين - هنا - من حيثُ إن العامل فيها { قَالُواْ } - وهو ماضٍ - فقال الزمخشريُّ: " فإن قُلْتَ: كيف قيل: { إِذَا ضَرَبُواْ } مع " قالوا "؟ قلت: هو حكاية حال ماضية، كقولك: حين يضربون في الأرض ".

وقال أبو البقاء بعد قول قريب من قول الزمخشريِّ: " ويجوز أن يكون { كَفَرُواْ } و { قَالُواْ } ماضيين، يُراد بهما المستقبل المحكي به الحال فعلى هذا يكون التقدير: يكفرون، ويقولون لإخوانهم ". انتهى.

ففي كلا الوجهين حكاية حال، لكن في الأول حكاية حال ماضية، وفي الثاني مستقبلة، وهو - من هذه الحيثية - كقوله تعالى:حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } [البقرة: 214]. ويجوز أن يراد بها الاستقبال، لا على سبيل الحكاية، بل لوقوعه صلة لموصول، وقد نصَّ بعضهم على أن الماضي - إذا وقع صلة لموصول - صلح للاستقبال، كقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8