الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

قرأ نافعُ وابنُ كثير وأبو عمرو بتحقيق الأولى، وتسهيل الثانية، والباقون بالتحقيق فيهما، ومَد هاتَيْن الهمزَتَيْن - بلا خلاف - قالون عن نافع، وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر بخلاف عنهما والباقون بغير مدّ على أصولهم من تحقيق وتسهيل.

وورش على أصله من نقل حركة الهمزة الأولى إلى لام " قُلْ ".

ولا بد من ذكر اختلاف القراء في هذه اللفظة وشبهها، وتحرير مذاهبهم؛ فإنه موضع عسير الضبط، فنقول: الوارد من ذلك في القرآن الكريم ثلاثة مواضع - أعني همزتين، أولاهُمَا مفتوحةُ، والثانية مضمومة - الأول: هذا الموضع.

والثاني:أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ص: 8]، والثالث:أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } [القمر: 25]، والقُرَّاء فيها على خمسِ مراتب:

أحدها: مرتبة قالون، وهي تسهيل الثانية بَيْنَ بَيْنَ، وإدخال ألِفٍ بين الهمزتين - بلا خلاف - كذا رواه عن نافع.

الثانية: مرتبة وَرْش وابن كثير، وهي تسهيل الثانية - أيضاً - بين بين، من غير إدخال ألِفٍ بين الهمزتين بخلاف كذا روى ورش عن نافع.

الثالثة: مرتبة الكوفيين وابنِ ذكوان عن ابن عامر، وهي تحقيق الثانيةِ، من غير إدخال ألف بلا خلاف-، كذا روى ابن ذكوان عن ابن عامر.

الرابعة: مرتبة هشام، وهي أنه رُويَ عنه ثلاثةُ أوجه:

الأول: التحقيق، وعدم إدخال ألف بين الهمزتين في الثلاثِ مواضِعَ.

الثاني: التحقيق، وإدخال ألف بينهما في المواضع الثلاثة.

الثالث: التفرقة بين السور، فيُحقق ويُقْصِر في هذه السورة، ويُسَهِّل ويمد في السورتين الأخْرَيَيْن.

الخامسة: مرتبة أبي عمرو، وهي تسهيل الثانية مع إدخال الألف وعدمه. وتسهيل هذه الأوجه تقدم في أول البقرة.

ونقل أبو البقاء أنه قُرِئَ: أَؤُنَبِّئكم - بواوٍ خالصةٍ بعد الهمزةِ؛ لانضمامها - وليس ذلك بالوَجْه.

وفي قوله: { أَؤُنَبِّئُكُم } التفاتٌ من الغيبة - في قوله: " للنَّاسِ " - إلى الخطاب، تشريفاً لهم.

" بِخَيْرٍ " متعلق بالفعل، وهذا الفعل لَمَّا لم يضمن معنى " أعلم " تعدى لاثنين، الأول تعدى إليه بنفسه، وإلى الثاني بالحرف، ولو ضُمِّنَ معناها لتعدَّى إلى ثلاثة.

و " مِنْ ذَلِكُمْ " متعلق بـ " خَيْر "؛ لأنه على بابه من كونه أفعل تفضيل، والإشارة بـ " ذَلِكُمْ " إلى ما تقدم من ذكر الشهوات وتقدم تسويغ الإشارة بالمفرد إلى الجمع، ولا يجوز أن تكون " خير " ليست للتفضيل، ويكون المراد به خيراً من الخيور، ويكون " مِنْ " صفة لقوله: " خَيْرٍ ".

قال أبو البقاء: " من " في موضع نَصْب بخير، تقديره [بما يفضل من ذلك، ولا يجوز أن يكون صلة لخير؛ لأن ذلك يوجب أن تكون الجنة وما فيها] مما رغبوا فيه بعضاً لِمَا زهدوا فيه من الأموال ونحوها، وتابَعَهُ في ذلك أبو حيان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7