الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ }

هذه اللفظة، قيل: هي مركبة من كاف التشبيه، ومن " أيِّ " ، وقد حدث فيهما بعد التركيب معنى التكثير، المفهوم من " كَمْ " الخبرية، ومثلُها في التركيب وإفهام التكثير: " كذا " في قولهم: له عندي كذا درهماً، والأصل: كاف التشبيه و " ذا " الذي هو اسم إشارة، فلما رُكَِّبَا حدَثَ فيهما معنى التكثير، فـ " كم " الخبرية وكأيِّن وكذا كلها بمعنًى واحد، وقد عهدنا في التركيب إحداث معنى آخر؛ ألا ترى أن " لولا " حدث لها معنًى جديدٌ، وكان من حقها - على هذا - أو يُوقَفَ عليها بغير نون؛ لأن التنوين يُحْذَف وقفاً، إلا أن الصحابة كتبتها " كَأيِّنْ " - بثبوت النون -، فمن ثم وقف عليها جمهور القراء بالنون؛ اتِّبَاعاً لرسم المصحف.

ووقف أبو عمرو وسورة بن المبارك عن الكسائي " كأي " - من غير نون - على القياس.

واعتل الفارسيُّ لوقف النون بأشياء، منها: أن الكلمة لما رُكِّبَتْ خرجت عن نظائرها، فجعل التنوين كأنه حرف أصلي من بنية الكلمة.

وفيها لغات خمس.

أحدها: " كأيِّنْ " - وهي الأصل - وبها قرأ الجماعة، إلاَّ ابن كثير.

وقال الشاعر: [الوافر]
1647- كَأيِّنْ فِي الْمَعَاشِرِ مِنْ أنَاسٍ   أخُوهُمْ فَوْقَهُمْ، وَهُمُ كِرَامُ
الثانية: " كائِنْ " - بزنة كاعِن - وبها قرأ ابن كثير وجماعة، وهي أكثر استعمالاً من " كأيِّنْ " وإن كانت تلك الأصل -.

قال الشاعر: [الوافر]
1648- وَكَائنْ بِالأبَاطِحِ مِنْ صَدِيقٍ   يَرَانِي لَوْ أصِبْتُ هُوَ المُصَابَا
وقال الآخر: [الطويل]
1649- وَكَائِنْ رَدَدْنَا عَنْكُمُ مِنْ مُدَجَّجٍ   .................
وقال آخر: [الطويل]
1650   - وَكَائِنْ تَرَى فِي الْحَيِّ مِنْ ذِي قَرَابَةٍ
.................   
أنشده المفضل ممدوداً، مهموزاً، مخففاً.

واختلفوا في توجيه هذه القراءة، فنُقِل عن المبرد أنها اسم فاعل من كان، يكون، فهو كائن، واستبعده مكِّيّ، قال: لإتيان " مِنْ " بعده، ولبنائه على السكون. وكذلك أبو البقاء، قال: " وهو بعيد الصحة؛ لأنه لو كان كذلك لكان معرباً، ولم يكن فيه معنى التكثير ".

لا يقال: هذا تحامُل على المبرد؛ فإن هذا لازم له - أيضاً - فإن البناء، ومعنى التكثير عارضان - أيضاً - لأن التركيب عُهِد فيه مثل ذلك - كما تقدم في " كذا " ، و " لولا " ، ونحوهما، وأما لفظٌ مفردٌ يُنقل إلى معنى، ويُبْنَى من غير سبب، فلم يُوجد له نظير.

وقيل: هذه القراءة أصلها " كَأيِّنْ " - كقراءة الجماعة - إلا أن الكلمة دخلها القلب، فصارت " كائن " مثل كاعن - واختلفوا في تصييرها بالقلب كذلك على أربعة أوجه:

أحدها: أنه قُدِّمت الياءُ المشددةُ على الهمزة، فصار وزنها كَعَلف، إلا أنك قدمتَ العينَ والسلام، وهما الياء المشددة - ثم حذفت الياء الثانية لثقلها بالحركة والتضعيف، كما قالوا في: " أيُّها " ، ثم قلبت الياء الساكنة ألفاً، كما قلبوها في نحو آية - والأصل: أيَّة - وكما قالوا: طائِيّ - والأصل: طَيئ - فصار اللفظ " كَأيِنْ " ووزنه كَعْف، لأن الفاء أخرت إلى موضع اللام، واللام قد حُذفَتْ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9