الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ }

" ما " نافية، ولا عمل لها هنا مطلقاً - أعني: على لغة الحجازيين والتميميِّين؛ لأن التميميين لا يعملونها - ألبتة - والحجازيين يُعْملونها بشروط، منها: ألا يَنْتَقضَ النفي بـ " إلا " إذْ يزول السبب الذي عَمِلَتْ لأجله - وهو شبهها بـ " ليس " في نفي الحال - فيكون " مُحَمَّدٌ " مبتدأ، و " رَسُولٌ " خبر.

هذا - [أعني: إهمالها إذا نُقِضَ نفيُها] - مذهب الجمهور، وقد أجاز يونس إعمالها مُنْتَقَضَةَ النَّفْيِ بـ " إلا ".

وأنشد: [الطويل]
1642- وَمَا الدَّهْرُ إلاَّ مَنْجَنُوناً بِأهْلِهِ   وَمَا صَاحِبُ الْحَاجَاتِ إلاَّ مُعَذَّبا
فنصب " منجنوناً " ، و " مُعَذَّباً " على خبر " ما " - وهما بعد " إلا " -.

ومثله قول الآخر: [الوافر]
1643- وَمَا حَقُّ الَّذِي يَعْثُو نَهَاراً   وَيَسْرِقُ لَيْلَهُ إلاَّ نَكَالا
فـ " حق " اسم " ما " و " نكالا " خبرها.

وتأول الجمهورُ هذه الشواهدَ على أنَّ الخبر محذوف، وهذا المنصوب مَعْمُولٌ لذلك الخبر المحذوفِ، والتقدير: وما الدَّهر إلا يدور دورانَ منجنونٍ، فحُذف الفعلُ الناصبُ لِـ " دَوَرَانَ " ثم حُذِفَ المضافُ، وأقيمَ المضافُ إليه مقامه في الإعراب، وكذا: " إلا مُعَذَّباً " تقديره: يُعَذَّبُ تعذيباً، فحُذِف الفعلُ، وأقيم " معذَّباً " مقام " تَعْذِيب " ، كقوله تعالى:وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } [سبأ: 19] أي: كل تمزيق. وكذا: " إلا نَكَالاً " ، وفيه من التكلُّف ما ترى.

و " مُحَمَّدٌ " هو المستغرق لجميع المحامد؛ لأن الحَمْد لا يستوجبه إلا الكامل، والتحميد فوق الحمد، فلا يستحقه إلا المُسْتَوْلي على الأمَد في الكمال. وأكرم الله نبيه باسمين مشتقَّيْن من اسمه - جل جلاله - وهما محمد وأحمد.

قال أهل اللغة: كل جامع لصفات الخير يُسَمَّى " محمداً ".

قوله: { قَدْ خَلَتْ } في هذه الجملة وجهان:

أظهرهما: أنها في محل رفع؛ صفة لِـ " رَسُولٌ ".

الثاني: أنها في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في " رَسُولٌ " ، وفيه نظر؛ لجريان هذه الصفة مجرى الجوامد، فلا تتحمل ضميراً.

قوله: " من قبله " فيه وجهان - أيضاً -:

أظهرهما: أنه معلق بـ " خلت ".

والثاني: أنه متعلق بمحذوفٍ؛ حال من " الرُّسُلُ " مقدَّماً عليها، وهي - حينئذ - حال مؤكِّدة؛ لأن ذِكْرَ الخُلُوِّ مُشْعِرٌ بالقَبْلِيَّة.

وقرأ ابنُ عَبَّاسٍ " رُسُلٌ " - بالتنكير -.

قال ابُو الفَتْحِ: ووجها أنَّه موضع تيسير لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الحياة ومكان تسوية بينه وبين البشر في ذلك، وكذلك يفعل في أماكن الاقتصاد، كقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6