الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

لما بيَّن في الآية الأولى الأسباب الموجبة في مداولة الأيام، ذكر في هذه الآية ما هو السبب الأصليّ لذلك، فقال: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } بدون تحمُّل المشاق؟

وفي " أم " - هذه - أوجه:

أظهرها: أنها منقطعة، مقدَّرة بـ " بل " ، وهمزة الاستفهام ويكون معناه الإنكار عليهم.

وقيل: " أمْ " بمعنى الهمزة وحدها، ومعناه كما تقدم التوبيخ والإنكار.

وقيل: هذا الاستفهام معناه النهي.

قال أبو مسلم: " إنه نهي وقع بحرف الاستفهام الذي يأتي للتبكيت، وتلخيصه: لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة، ولم يقع منكم الجهاد، وهو كقوله:أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 2] وافتتح الكلام بذكر " أم " التي هي أكثر ما تأتي في كلامهم واقعة بين ضربين يشك في أحدهما، لا يعينه، يقولون: أزيد ضربت أم عمراً؟ مع تيقُّن وقوع الضرب بأحدهما، قال: وعادة العرب أن يأتوا بهذا الجنس من الاستفهام توكيداً، فلما قال:وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا } [آل عمران: 139] كأنه قال: أفتعلمون أن ذلك كما تُؤمَرون به أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدةٍ وَصَبْر؟ ".

وقيل: هي متصلة.

قال ابنُ بَحْر: " هي عديلة همزة تقدر من معنى ما تقدم، وذلك أن قوله:إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } [آل عمران: 140] ووَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [آل عمران: 140] إلى آخر القصة يقتضي أن نتبع ذلك أتعلمون أن التكليف يوجب ذلك أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير اختبار وتحمُّل مشقة، وأن تجاهدوا، فيعلم الله ذلك منكم واقعاً ".

و " أحسب " - هنا - على بابها من ترجيح أحد الطرفين، و { أَن تَدْخُلُواْ } ساد مسد المفعولين - على رأي سيبويه - ومسد الأول، والثاني: محذوف - على رأي الأخفش.

قوله: { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ } جملة حالية.

قال الزَّمَخْشَرِي: " و " لما " بمعنى " لم " ، إلا أنَّ فيه ضرباً من التوقُّع، فدلَّ على نفي الجهاد فيما مضى، وعلى توقُّعه فيما يستقبل، وتقول: وعدتني أن تفعل كذا ولمَّا، تريد: ولم تفعل، وأنا أتوقَّع فِعْلَه ".

قال أبو حيان: " وهذا الذي قاله في " لما " - من أنها تدل على توقُّع الفعل المنفي بها فيما يستقبل - لا أعلم أحداً من النحويين ذكره، بل ذكروا أنك إذا قلت: لما يخرج زيد، دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى، متصلاً نفيه إلى وقت الاخبار، أما أنها تدل على توقُّعه في المستقبل فلا، لكنني وجدت في كلام الفراء شيئاً يُقارب ما قاله الزمخشري، قال: " لما " لتعريض الوجود بخلاف " لم " ".

السابقالتالي
2 3 4