الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ }

قرأ الأخوان، وأبو بكر: قُرْح - بضم القاف - وكذلك " القُرْحُ " معرَّفاً.

والباقون بالفتح فيهما.

فقيل: هما بمعنى واحد، ثم اختلف القائلون بهذا.

فقال بعضهم: المراد بهما: الجُرْح نفسه، وقال بعضهم- منهم الأخفش - المراد بهما المصدر، يقال: قَرِحَ الجُرح، يَقْرحُ، قَرْحاً، وقُرْحاً.

قال امرؤ القيس: [الطويل]
1629- وَبُدِّلْتُ قَرْحاً دَامِياً بَعْدَ صِحَّةٍ   لَعَلَّ مَنَايَانَا تَحَوَّلْنَ أبْؤُسَا
والفتح لغة الحجاز، والضم لغة تميم، فهما كالضَّعْف والضُّعْف، والكَرْه والكُرْه، والوَجْد والوُجْد.

وقال بعضهم: المفتوح: الجُرْح، والمضموم: ألَمُه، وهو قول الفراء.

وقرأ ابن السميفع بفتح القاف والراء، كالطرْد والطرَد.

وقال أبو البقاءِ: " وهو مصدر قَرِحَ يَقْرح، إذا صار له قُرْحَة، وهو بمعنى: دَمِيَ ".

وقُرِئَ قُرُح - بضمهما -.

قيل: وذلك على الإتباع كاليُسْر واليُسُر، والطُّنْب والطُّنُب.

وقرأ الأعمش: " إن تمسسكم قروح " - بالتاء من فوق، [وصيغة الجمع في الفاعل]، وأصل المادة: الدلالة على الخُلُوص، ومنه الماء القَرَاح، الذي لا كُدُورةَ فيه.

قال الشاعر: [الوافر]
1630- فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ، وَكُنْتُ قَبْلاً   أكَادُ أغَصُّ بِالْمَاءِ الْقَرَاح
وأرض قرحة - أي: خالصة الطين - ومنه قريحة الرجل - أي: خالص طَبْعه -.

وقال الراغب: " القَرْح الأثر من الجراحة من شيء يُصيبه من خارج، والقُرْح - يعني: بالضم - أثرها من شيء داخل - كالبثرة ونحوها- يقال: قَرَحْته، نحو جَرَحْته.

قال الشاعر: [البسيط]
1631- لا يُسْلِمُونَ قَرِيحاً حَلَّ وَسَطَهُمُ   يَوْمَ اللِّقَاءِ، ولا يُشْوُونَ مَنْ قَرَحُوا
أي: جرحوا. وقرح: خرج به قرح.

ويقال: قَرَحَ قلبُه، وأقرحه الله - يعني: فَعَل وأفْعَل فيه بمعنًى - والاقتراح: الابتداع والابتكار ومنه: اقترح عليَّ فلانٌ كذا، واقترحْتُ بِئراً: استخرجت منها ماءً قَرَاحاً. والقريحة - في الأصل - المكان الذي يجمتع فيه الماء المستنبط - ومنه استُعِيرت قريحةُ الإنسان - وفرس قارح، إذا أصابه أثَرٌ من ظُهور نَابِهِ، والأنْثَى قارحة، وروضة قرحاء، إذا كان في وسطها نَوْر؛ وذلك لتشبيهها بالفرس القرحاء ".

قوله: { فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ } للنحويين - في مثل هذا - تأويل، وهو أن يُقَدِّرُوا شيئاً مستقبلاً؛ لأنه لا يكون التعليق إلا في المستقبل - وقوله: { فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } ماضٍ مُحَقَّق - وذلك التأويل هو التبيين، أي: فقد تَبَيَّن مَسُّ القرح للقوم وسيأتي له نظائر، نحو:إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ } [يوسف: 26] ووَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ } [يوسف: 27].

وقال بعضهم: جواب الشرط محذوف، تقديره: فتأسَّوا، ونحو ذلك.

وقال أبو حيان: " ومَنْ زعم أن جواب الشرط هو " فَقَدْ مَسَّ " ، فهو ذاهل ".

قال شهابُ الدين: " غالب النحويين جعلوه جواباً، متأولين له بما ذكرت ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7