الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }

لما وعد على الطاعة والتوبة بالمغفرة والجنة، أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل الطاعةِ والتوبةِ، وهو تأمل أحوال القرونِ الخوالي، وهذا تَسْلِيَة من الله تعالى للمؤمنين.

قال الواحدي: أصل الخلُوّ - في اللغة - الانفراد، والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه، ويُستعمل - أيضاً - في الزمان بمعنى: المُضِيّ؛ لأن ما مضى انفرد عن الوجود، وخلا عنه، وكذا الأمم الخالية.

قوله: { مِن قَبْلِكُمْ } يجوز أن يتعلق بـ " خَلَتْ " ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من { سُنَنٌ }؛ لأنه - في الأصل - يجوز أن يكون وَصْفاً، فلما قُدِّمَ نُصبَ حالاً.

والسُّنَن: جمع سُنَّة، وهي الطريقة التي يكون عليها الإنسان ويلازمها، ومنه سُنَّة الأنبياء.

قال خالد الهُذَلِي لخاله أبي ذُؤيب: [الطويل]
1622- فَلاَ تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةِ أنْتَ سِرْتَهَا   فَأوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا
وقال آخر: [الطويل]
1623- وَإنَّ الأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ   تَأسَّوْا، فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّآسِيَا
وقال لبيد: [الكامل]
1624- مِنْ أمَّةٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ   وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإمامُهَا
وقال المفضَّل: السُّنَّة: الأمة، وأنشد: [البسيط]
1625- مَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ فَضْلٍ كَفَضْلِكُمُ   وَلاَ رَأوْا مِثْلَكم فِي سَالِفِ السُّنَنِ
ولا دليل فيه؛ لاحتمال أن يكون معناه: أهل السنن.

وقال الخليل: سَنَّ الشيء بمعنى: صوره، ومنه:مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 28] أي: مُصَوَّر وقيل: سن الماء والدرع إذا صبهما، وقوله:مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 28] يجوز أن يكون منه، ولكن نسبة الصب إلى الطين بعيدة.

وقيل: مسنون، أي: متغير.

وقال بعض أهل اللغة: هي فُعْلة من سَنَّ الماء، يسنه، إذا والى صَبَّه، والسَّنُّ: صَبُّ الماء والعرق نحوهما.

وأنشد لزهير: [الوافر]
1626- نُعَوِّدُهَا الطراد كُلَّ يَوْمٍ   تُسَنُّ عَلَى سَنَابِكِهَا الْقُرُونُ
أي: يُصب عليها من العرق، شبَّه الطريقة بالماء المصبوب، فإنه يتوالى جرْيُ الماء فيه على نَهْج واحد، فالسُّنَّة بمعنى: مفعول، كالغُرْفَةِ.

وقيل: اشتقاقها من سننت النَّصْل، أسنّه، سنًّا، إذا حددته [على المِسَن]، والمعنى: أن الطريقةَ الحسنةَ، يُعْتَنَى بها، كما يُعْتَنَى بالنَّصْل ونحوه.

وقيل: من سَنَّ الإبل، إذا أحسن رعايتها، والمعنى: أن صاحب السنة يقوم على أصحابه، كما يقوم الراعي على إبله، والفعل الذي سَنَّه النبي سُمِّيَ سُنَّةً بمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم أحسن رعايته وإدامته. وقد مضى من ذلك جملة صالحة في البقرة.

فصل

قال [أكثر المفسرين]: المراد: سنن الهلاك؛ لقوله تعالى:فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [الزخرف: 25]؛ لأنهم لما خالفوا الرُّسُلَ؛ لحرصهم على الدنيا، ثم انقرضوا، ولم يَبْقَ من دنياهم أثر وبقي اللعن في الدنيا، والعقاب في الآخرة عليهم، فرغَّب الله تعالى أمَّةَ محمد صلى الله عليه وسلم في الإيمان بالتداخل في أحوال هؤلاء الماضين، ليصير ذلك داعياً لهم إلى الإيمان بالله ورُسُله، والإعراض عن الرياسة في طلب الدنيا والحياة.

السابقالتالي
2