الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قرأ نافعُ، وابْنُ عَامِرٍ: سارعوا - بدون واو - وكذلك هي في مصاحف المدينة والشام.

والباقون بواو العطف، وكذلك هي في مصاحف مكةَ والعراقِ ومصحف عثمانَ.

فمن أسقطها استأنف الأمر بذلك، أو أراد العطف، لكنه حذف العاطفَ؛ لقُرْب كل واحد منهما من الآخر في المعنى - كقوله تعالى:ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } [الكهف: 22]، فإن قوله: { وَسَارِعُوۤاْ } ، وقوله: { وَأَطِيعُوۤاْ } كالشيء الواحد، وقد تقدم ضعف هذا المذهب.

ومن أثبت الواو عطف جملة أمريةً على مثلها، وبعد إتباع الأثر في التلاوة، أتبع كل رسم مصحفه.

ورَوَى الكِسَائِيُّ: الإمالة في { وَسَارِعُوۤاْ } ، وأُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ } [المؤمنون: 61]، ونُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [المؤمنون: 56] وذلك لمكان الراء المكسورة.

قوله: { مِّن رَّبِّكُمْ } صفة لِـ " مَغْفِرَةٍ " ، و " مِنْ " للابتداء مجازاً.

فصل

قال بعضهم: في الكلام حذف، والتقدير: وسارعوا إلى ما يوجب مغفرة من ربكم.

وفيه نظر؛ لأن الموجب للمغفرة، ليس إلا افعال المأمورات، وترك المنهيات، فكان هذا أمراً بالمسارعة إلى فعل المأمورات، وترك المنهيات.

وتمسك كثيرٌ من الأصوليين بهذه الآية، في أن ظاهر الأمرِ يوجب الفور؛ لأنه ذكر المغفرة على سبيل التنكير، والمراد منه: المغفرة العظيمة المتناهية في العِظَم، وذلك هو المغفرة الحاصلة بسبب الإسلام.

فصل

قال ابْنُ عَبَّاسٍ: إلى الإسلام.

ورُوِيَ عنه إلى التوبة - وهو قول عكرمة - والمعنى: وبادروا، وسابقوا.

وقال عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِب: إلى أداء الفرائض؛ لأن الأمر مُطْلَق، فيعم كل المفروضات.

وقال عثمان بن عفان: إنه الإخلاص؛ لأنه المقصود من جميع العبادات؛ لقوله تعالى:وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [البينة: 5].

وقال أبو العالية: إلى الهجرة.

وقال الضحاك ومحمد بن إسحاق: إلى الجهاد؛ لأن من قوله:وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } [آل عمران: 121] إلى تمام ستين آية نزل في يوم أُحُد، فكان كل هذه الأوامر والنواهي مختصَّة بما يتعلق بالجهاد.

وقال سعيد بن جبير: إلى التكبيرة الأولى، وهو مروي عن أنس. وقال يمان: إنه الصلوات.

وقال عِكْرمَةُ ومُقَاتِل: إنه جميع الطاعة؛ لأن اللفظ عام، فيتناول الكُلَّ.

وقال الأصَمُّ: { وَسَارِعُوۤاْ } بادروا إلى التوبة من الربا والذنوب؛ لأنه - تعالى - نهى أوَّلاً عن الربا، ثم قال: { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } وهذا يدل على أن المراد منه: المسارعة في تَرْك ما تقدم النَّهْيُ عنه.

قال ابنُ الخَطِيبِ: " والأوْلَى ما تقدم من وجوب حَمْله على أداء الواجبات، والتوبة عن جميع المحظورات، لأن اللفظ عامّ، فلا وَجْهَ لتخصيصه، ثم إنه - تعالى - بَيَّن أنه كما تجب المسارعةُ والمغفرة، فكذلك تجب المسارعة إلى الجنة، وإنما فصل بينهما؛ لأن الغُفْران معناه إزالة العقاب، والجنة معناها حصول الثواب، فجمع بينهما؛ للإشعار بأنه، لا بُدَّ للمكلف من تحصيل الأمرين ".

السابقالتالي
2 3 4 5